تحية بحرية،

من منا يستطيع الاستغناء عن هاتفه الذكي ولو للحظات؟ ومن منا أضاع هاتفه لفترة وأصبح بعدها تائها، ضائعا وكأنه فقد أغلى ما لديه؟ فقد أصبح الهاتف الذكي بمثابة المرجع في أوقات العمل والملجأ في أوقات الراحة، ويزداد هذا الإدمان مع الانتشار الأكبر للمد الرقمي الذي بدأ منذ عقود، حيث تبدلت وتغيرت الطرق والأساليب التي نتعاطى بها أعمالنا في حياتنا. وجدير بالذكر القول هنا أن قطاع النقل البحري ليس بعيدا عن تداعيات الثورة الرقمية هذه، رغم بطء تقدمه مقارنة بوسائل النقل الأخرى.

فكمية البيانات والمعلومات التي يحتويها كل هاتف ذكي عن مالكه، أهم وأجدى من أي مستند آخر كالهوية وجواز السفر، وهناك العديد من الدول بدأت بالفعل في تجربة الجوازات والهويات الرقمية باستخدام الهواتف الذكية، ولا شك أننا سنرى ذلك بأم العين في السنوات المقبلة، بعد معالجة التحديات الأمنية وخصوصية البيانات، وتوافق الجوازات الرقمية مع الأنظمة القائمة في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى توفر بنية تحتية تكنولوجية متطورة في المطارات والمنافذ الحدودية، ومنها الموانئ.

ولا شك أننا سنرى أيضا في يوم ما نسخة الكترونية من وثيقة هوية البحارة Seafarers’ Identity Document - SID، وأخرى لدفتر البحارة Seaman Book أو كما يسمى في بعض الدول العربية بـ"جواز السفر البحري"، رغم أنها تسمية خاطئة زادت من التعقيد على كل من يريد العمل على السفينة.

كل ما تقدم يبرز أهمية توفر الإتصال الفعال والمستدام على متن السفن من خلال بنية تحتية متكاملة، فالبقاء على اتصال بالإنترنت أثناء السفر، له دور محوري في تعزيز رفاهية البحارة وتحديدا عبر تواصلهم مع عائلاتهم وأصدقائهم، وما لذلك من تأثير عميق على معنويات الطاقم وصحته العقلية، بالرغم من ظهور بعض الدراسات التي تعتبر ذلك قضية مثيرة للجدل، وذلك مع وجود نقاش حول ما إذا كان لها تأثير إيجابي أو سلبي على البحارة خاصة في بيئة عمل تعتبر خطرة.

اقرأ أيضاً: : كلمة العدد 92: متطلبات اللائحة البحرية للوقود الأوروبي FuelEU..وماذا عن أهدافها؟

إستجابة لهذا الأمر، ووفق تعديلات اتفاقية العمل البحري MLC 2006، سيصبح الاتصال بالإنترنت شرطا إلزاميا على متن السفن بتكلفة معقولة على البحارة أو مجانا ابتداء من ديسمبر المقبل، حيث يجب على ملاك السفن تجهيز أساطيلهم بما يلزم لتطبيق هذا الأمر، وعلى سلطات أعلام السفن والرقابة في الموانئ التأكد من الالتزام بهذا المطلب.

وقد قامت العديد من شركات الملاحة العالمية بتوفير هذه الميزة قبل أن تصبح ملزمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وقعت شركة Maersk شراكة استراتيجية مع شركة SpaceX التي أسسها الملياردير الأميركي إيلون ماسك في العام 2002، لتجهيز أكثر من 330 سفينة حاويات بإنترنت عالي السرعة يتجاوز 200 ميجابت في الثانية عبر خدمة Starlink. وعلى خطى Maersk، تبنت شركة MOL أيضا هذه الخدمة عبر تجهيز أسطول سفنها بالكامل بخدمة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية المتطورة هذه.

ما تشهده الصناعة البحرية هو تقدم كبير في الإتصال على متن السفن وتغير ملحوظ في طريقة تشغيلها والعمل علي متنها، خاصة مع الزامية توفر تقنية الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، فهي تطورات لتحوّل إيجابي يضمن إتصالا سيحسن نوعية حياة البحارة، ويعزز السلامة في نفس الوقت.

مجلة ربان السفينة، العدد 93، سبتمبر/ أكتوبر 2024، كلمة العدد، ص. 9

 

اقرأ أيضاً

 العدد 93 من مجلة ربان السفينة

(Sep / Oct. 2024)

 

أخبار ذات صلة