تحية بحرية...
شهد قطاع النقل البحري مسار التحوّل نحو إزالة انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل تدريجي ومنهجي منذ عقدين، وتحديدا منذ دخول الملحق السادس من الاتفاقية الدولية لمنع التلوث من السفن MARPOL حيّز التنفيذ في 2005، حيث شكّل أساسا قانونيا دوليا نظم انبعاثات الهواء من السفن، وفرض قيودا على ملوثات رئيسية مثل أكاسيد الكبريت SOx وأكاسيد النيتروجين NOx، إضافة إلى جسيمات أخرى، مع اعتماد مناطق السيطرة على الانبعاثات (ECA) التي تُطبّق فيها معايير أشد صرامة على نوع الوقود المستخدم في السفن.
في عام 2013، تم اعتماد مؤشر تصميم كفاءة الطاقة EEDI ليصبح إلزاميا على السفن المبنية بعد مطلع 2013 والتي تبلغ حمولتها الحجمية 400 فأكثر، ما شجّع على تطوير تصاميم أكثر كفاءة في استهلاك الوقود وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل طن-ميل بحري.
وفي عام 2018، أطلقت المنظمة البحرية الدولية الاستراتيجية الأولية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، والتي وضعت أهدافا طموحة تتمثل في خفض كثافة الكربون بنسبة %40 بحلول 2030، وتقليل إجمالي الانبعاثات بنسبة %50 بحلول 2050، مقارنة بعام 2008 الذي سجّل أعلى مستويات لانبعاثات القطاع، حيث وصلت إلى نحو 940 مليون طن، ما يعادل %2.9 من الانبعاثات العالمية.
في نفس العام، بدأ تطبيق نظام المراقبة والمراجعة والتوكيد MRV الأوروبي، الذي ألزم السفن التي تبلغ حمولتها الحجمية 5000 طن فأكثر، والمتجهة إلى أو الخارجة من موانئ الاتحاد الأوروبي، بخطة ترصد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتقديم تقارير سنوية بعد تحققها من جهة مستقلة.
تبع ذلك نظام المنظمة لجمع بيانات استهلاك الوقود IMO DCS الذي دخل حيز التنفيذ في 2019، وطلب من السفن تقديم بيانات سنوية عن استهلاك الوقود إلى دولة العلم، ليتم تحميلها في النظام العالمي المتكامل للمعلومات البحرية GISIS بعد التحقق منها.
وفي عام 2023، أصبح مؤشري كفاءة الطاقة للسفن الحالية EEXI وكثافة الكربون CII إلزاميّين على السفن ذات حمولة 400 طن حجمي فأكثر للأول، و5000 طن حجمي للثاني، حيث يقيسEEXI كفاءة السفن الحالية، فيما يصنّف CII السفن بحسب كثافة الكربون التشغيلية إلى خمس فئات من A إلى E، ويلزم السفن منخفضة التصنيف بخطط تصحيحية ضمن خطة إدارة كفاءة الطاقة SEEMP.
ثم جاءت الاستراتيجية المنقحة للمنظمة في يوليو 2023، والتي هدفت إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، وتشمل أهدافا مرحلية لخفض %20 من الانبعاثات بحلول 2030 و %70 بحلول2040، مع استخدام %5 على الأقل من الوقود النظيف أو منخفض الكربون بحلول 2030.
تلاها في 2024 نظام الاتحاد الأوروبي لتجارة الانبعاثات EU ETS الذي فرض التزامات مالية جديدة على شركات الملاحة، تتضمن تقديم تقارير سنوية دقيقة عن الانبعاثات والتنازل عن مخصصات الكربون القابلة للتداول، بحسب كمية الانبعاثات الصادرة. كما تبع ذلك دخول لائحة FuelEU Maritime التي فرضت تقليصا تدريجيا لكثافة الغازات الدفيئة في الطاقة المستخدمة على متن السفن، من %2 في 2025 إلى %80 بحلول 2050، بهدف تسريع الاستخدام الدائم للوقود المتجدد ومنخفض الكربون في القطاع البحري.
وفي 2025، وافقت لجنة حماية البيئة البحرية MEPC على اعتماد معيار عالمي جديد للوقود وآلية لتسعير الانبعاثات، على أن تدخل حيّز التنفيذ عام 2027، حيث ستُلزم هذه الآلية السفن التي تبلغ حمولتها الحجمية 5000 طن فأكثر بتقليل كثافة الانبعاثات وفقا لمنهجية "من المصدر إلى العادم Well-to-Wake، ويُمنح ملاك السفن خيارا لشراء وحدات تصحيحية أو تحويل وحدات فائضة من سفن أخرى أو دعم صندوق الحياد الكربوني التابع للمنظمة.
رغم كل ما تحقق، لا تزال تحديات كبيرة تواجه القطاع، أبرزها ارتفاع أسعار الوقود النظيف، الحاجة إلى تطوير سلاسل الإمداد، وضعف البنية التحتية في الموانئ، ما يتطلب استثمارات فورية وتعاونا دوليا كبيرا لضمان انتقال عادل نحو قطاع بحري مستدام وخال من الكربون.
لقراءة المحتوى كاملا إضغط على الرابط التالي : مجلة ربان السفينة، العدد 97، مايو/ يونيو 2025، لقاء بحري، ص. 7 |