تنتشر مشكلة النقص في البحارة على نطاق عالمي وتستهدف بشكل أساسي مالكي السفن وشركات إدارة السفن، حيث لوحظ ابتعاد الخريجين الشباب عن هذه المهنة والتوجه نحو وظائف ذات ظروف عمل أفضل، كما أن الأطقم البحرية ذات الجنسيات العربية ليست استثناء، وفي السياق نفسه، فإن تحديات توظيف وتعيين البحارة موجودة في شركات المنطقة. 

بهدف مناقشة هذه المسألة، تسلط “ربان السفينة” الضوء على مشكلة النقص في البحارة وتحديات الطاقم، من خلال عرض وجهات نظر أكاديمية وبحرية وتجارب شخصية.

فقدان الاهتمام
وفقا للخبراء، يفقد الخريجون الشباب الاهتمام بهذه المهنة، وبحسب Ionut Paris، مدير خدمات التدريب في شركة Global Maritime Consultants Group - GMCG، المزود الرائد لخدمات تسجيل السفن، والكشوفات البحرية، والتدريب والتوظيف، “لا تزال المهنة البحرية تُصنف على أنها مهنة شاقة مقارنة بالمهن الجديدة الأكثر جاذبية مثل تكنولوجيا المعلومات والإدارة، وما إلى ذلك.”

Ionut Paris

بطريقة ما، فإن فقدان الاهتمام بهذه المهنة يشكل أحد أهم الأسباب الكامنة وراء نقص البحارة حول العالم، حيث ينظر الخريجون الجدد في العديد من الأمور والتحديات التي يتعامل معها البحارة في الوقت الحالي. وفقا للقبطان Seyed Behbood Issazadeh وكبير المهندسين Hamiz Reza من كلية عمان البحرية الدولية IMCO، فإن الانفصال عن الأسرة والمنزل، والإصابات الخطيرة والمخاطر الجسدية، القرصنة البحرية، اللوائح البحرية الصارمة، والتعب والاكتئاب، إلى جانب انعدام أسس الحياة الاجتماعية، وقيود الإجازات، هي بعض الأسباب وراء ذلك.

يعتقد Ionut من GMCG أن هذه المشكلة العالمية ناتجة عن نقص القوى العاملة، مما يؤثر على الخطوط الأفقية للإمداد والنقل في العالم البحري، موضحا أن “نقص البحارة المؤهلين يمكن أن يؤدي إلى عمليات شحن طويلة الأمد على متن السفن، وسوء مناولة البضائع وحتى التسبب بالحوادث وفقدان البضائع.“

الربان seyed Behbood Issazadeh

سيؤثر هذا النقص، وفقا للقبطان Issazadeh  وكبير المهندسين Reza، على العرض والطلب على المواد الخام الأساسية والبضائع الأساسية للأشخاص، مما يقلل من جودة الخدمات البحرية ويزيد من تكلفة ومدة شحن البضائع.

 

اقرأ أيضاً: المسعود للطاقة تكشف لربان السفينة خطط الشركة لدعم ظهور الاقتصاد الأخضر مع التطلع نحو الفرص المتاحة في سلسلة توريد الهيدروجين

 

“على جميع مستويات التوظيف وطاقم العمل، يجب معالجة النمو البطيء لأعداد الطاقم. قد تتضمن بعض الأفكار نهجا شاملا لسلامة البحارة ورفاهيتهم، واعتماد أسرع للمناصب العالية، وزيادة التدريب للمبتدئين.”

كبير المهندسين Hamiz Reza

الأجور
يواصل القبطان Issazadeh وكبير المهندسينReza  الحديث عن العوامل التي تفاقم هذا النقص: “المهن البحرية لا تهم الجيل الجديد، بسبب العيوب التكنولوجية والمالية والاجتماعية مقارنة بالوظائف والمجالات الأخرى. قد يكون سر جذب المزيد من البحارة إلى طاقم العمل هو رقمنة العمليات على متن السفينة، وفي النهاية، سيكون لدى المديرين مزيدا من الوقت للالتزام بتعزيز كفاءة الطاقم وسلامته ورفاهيته.“

تجدر الإشارة إلى أن منظمة العمل الدولية ILO قد وافقت على زيادة الحد الأدنى لأجور البحارة في جميع أنحاء العالم، حيث قررت لجنة فرعية تابعة للجنة البحرية المشتركة Joint Maritime Commission التابعة لمنظمة العمل الدولية رفع الحد الأدنى للراتب الأساسي للبحارة. بالإضافة إلى ذلك، توصل الاتحاد الدولي لعمال النقل ITF ومجموعةJoint Negotiating Group  أيضا إلى اتفاق لرفع أجور البحارة بنسبة 3% في عام 2022 و1.5% أخرى بدءا من يناير 2023.

تدابير إضافية 
على الرغم من اتخاذ هذه الخطوات لرفع الأجور، إلا أنه لا يمكن سد الفجوة الحاصلة بسبب النقص في البحارة. وفقا لدراسات إدارة الموارد البشرية، فإن الأجور والمزايا وظروف العمل جميعها لها تأثير على الرضا الوظيفي، ويشرح القبطان Issazadeh وكبير المهندسين Reza قائليْن: “لا يبدو أن الزيادة بنسبة 4.5% كافية لتشجيع البحارة على العمل في هذا القطاع، نظرا لعدد من العوامل غير المساعدة مثل التضخم العالمي الناجم عن الصراع في أوكرانيا وروسيا إلى جانب تداعيات الجائحة. لذلك، من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى تدابير ومبادرات إضافية لاستعادة التوازن ومعالجة النقص العالمي في البحارة.“

عوائق
لسوء الحظ، لا يقتصر الأمر على فقدان اهتمام البحارة فحسب، حيث إن هذا الاضطراب مصحوب ببعض العقبات. ففي حين أن البحارة من الجنسيات العربية يعملون لدى مالكي أو مديري السفن العرب، فمن الصعب، بحسب Paris، اختراق سوق إدارة السفن الأجنبية بسبب ضعف أنظمة التعليم في بعض البلدان، إلى جانب الحواجز الثقافية واللغوية.

يشرح القبطان Issazadeh وكبير المهندسين Reza باستفاضة أكثر عن هذا الموضوع، ويناقشان العوامل المختلفة التي تؤثر على طاقم عمل البحارة العرب مثل جودة التدريب والتعليم، الفرص المحدودة للتقدم الوظيفي، ضعف البنية التحتية والتكنولوجيا، والحواجز اللغوية. ويعتقد الخبيران أنه يمكن التغلب على هذه العقبات من خلال رسم خطة مسار لتحقيق النقل البحري المستدام، على غرار الخطة المتبعة في سلطنة عمان.

 

اقرأ أيضاً: المدير العام لـ Ennero يكشف عن خطط استكشاف أسواق جديدة ومتخصصة في الشرق الأوسط

 

“تلعب الشركة العمانية للنقل البحري دورا أساسيا في النقل البحري ودعم البحارة، وتدعم أسطولها بسفن جديدة مبنية بتقنيات بناء السفن الحديثة. كما تم تأمين سفينة علمية لطلاب الهندسة البحرية، والضباط الفنيين الكهربائيين، وطلاب العلوم البحرية في عمان. كما أنها توفر للطلاب الجامعيين فرصة القيام ببرامج تدريبية على متن أسطول الشركة كجزء من دعمها للصناعة البحرية.“

وفقا للقبطان Issazadeh وكبير المهندسين Reza، يعد أداء الشركة هذا ممتازا، حيث إنها عملت على زيادة الشعور بالأمل والرضا لدى الشباب، واتخذت أيضا خطوة إيجابية نحو تحقيق التنمية المستدامة.

عبد الحميد شعت

المرونة
من وجهة نظر أكثر تفصيلا، يسلط عبد الحميد شعت، مدير عمليات السفن، والشخص المفوض على البر DPA، شركة Gulf Nav Ship Management، إحدى الشركات التابعة لمجموعة الخليج للملاحة القابضة، الضوء على تحديات توظيف البحارة من الجنسيات العربية، بالاستناد إلى خبرته العملية كبحار سابق على ناقلات النفط، وتدرجه في مناصب مختلفة في عدد من الشركات العريقة في القطاع البحري، منها أدنوك (0201 – 2015)، وهيئة التصنيف النروجية DNV (كمفتش بحري لفترة عامين).

“يعاني البحارة من جنسيات عربية معينة من بعض المشاكل في ما يخص تأشيراتهم وعبورهم عبر الدول، وهنا يفضل ملاك السفن البحارة أصحاب الجوازات المرنة والتي تمكّنهم من الذهاب والسفر إلى أي مكان. غالبية طواقم البحارة هم من الجنسيات الفليبنية والهندية؛ قد نرى ضباطا بحريين من بعض الجنسيات العربية إلا أنه نادرا ما يتواجد بحارة عرب على متن السفينة.” 

ويعترف شعت أن فترة عمله كبحار كانت صعبة بعض الشيء، حيث عمل خلال فترة التدرب على متن سفينة التدريب عايدة 4 التابعة للأكاديمية العربية في الإسكندرية مصر، وهي سفينة ركاب وليست ناقلة أو سفينة سائبة، لذا فإن الخبرة التي اكتسبها مختلفة عن خبرة التدرب والعمل على ناقلة نفط على سبيل المثال. وذلك قبل أن يصبح ضابطا ثالثا ويبدأ في اكتساب خبرة العمل على سفن البضائع والناقلات. 

ومع تطور هذه الصناعة والتعليم والتدريب البحري الأكاديمي، يشجع شعت الشباب على الانخراط في مجال النقل البحري، على الرغم من أن جنسيات البحارة العرب العاملين على متن السفن تنحصر بالمصرية والأردنية والسورية.

كيف يمكن للأكاديميات البحرية سد الفجوة؟
من جهة، يلفت Paris إلى الجانب التكنولوجي كوسيلة لسد الفجوة وجذب الطلاب الشباب، حيث من الضروري دمج أساليب التعليم الجديدة والإلكترونية والتقليدية.

من جهة ثانية، يشرح شعت أسباب هذا التفاوت مشيرا إلى الأكاديميات، التي لا بد أن تؤمن لطلابها الطريق للتدرب بعد التخرج والعمل على متن بعض السفن التجارية ذات السمعة الجيدة، وذلك من خلال علاقاتها وتعاونها مع ملاك السفن. يؤكد شعت أن هذا التعاون قد يخفف من وطأة مشكلة توظيف البحارة العرب ويزيد من المرونة المطلوبة في هذا الشأن.

في الخلاصة، يمكن للمؤسسات الأكاديمية أن تلعب دورا مهما في معالجة هذا التفاوت؛ حيث يعتقد كل من القبطان Issazadeh وكبير المهندسين Reza، من خلال خبرتهما الأكاديمية والتشغيلية لمدة 12 عاما في المجال البحري، أنه يمكن سد الفجوة بواسطة العلاقة المتينة المبنية على الأهداف بين الأكاديميات البحرية والمؤسسات الصناعية: “نظرا للطبيعة التجريبية للعمل البحري، يجب على المعاهد الأكاديمية أولا اعتماد محاضرين بحريين من ذوي الخبرة وعلى دراية بالرؤى الأكاديمية. وفي هذا الصدد، يجب أن يبذل صناع القرار الدوليون جهدا حقيقيا للتوفيق بين التحديات التعليمية ومطالب الشركات البحرية.”

مجلة ربان السفينة، العدد 85، مايو/ يونيو 2023، موضوع العدد، ص. 18

 

اقرأ أيضاً

 العدد 85 من مجلة ربان السفينة

(May/ June 2023)

 

أخبار ذات صلة