إن الموانئ البحرية هي العمود الفقري لسلاسل التوريد العالمية، وهي شديدة التأثر بالمحيط من حولها، حيث تتأثر بالتغير في أحجام السفن والتكنولوجيا، كما تتأثر أيضا بتغير الطلب على الخدمات التي تقدمها الموانئ. لقد ازداد الطلب على النقل البحري خلال تفشي الجائحة بسبب توقف حركة الملاحة الجوية، وصار النقل البحري مسؤولا عن نقل 90% من بضائع العالم سواء الخام منها أم المصنعة صعودا من 83% قبل الجائحة، وبإجمالي كميات تجاوزت 11 مليار طن. مقابل ذلك، من المتوقع حدوث نقص في الطواقم البحرية العاملة على السفن والمنصات البحرية، ولتغطية العجز المتوقع من جهة ومواكبة للتكنولوجيا من جهة أخرى، فإن الضرورة تقتضي التحول رقميا في كل الانشطة والمجالات ذات العلاقة بالبحر، بل صارت الضرورة تقتضي التحول من مفهوم الموانئ التقليدية إلى الموانئ الذكية والتي تعتبر منفذا تدمج فيها كل التقنيات الرقمية الجديدة كالبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وتطبيقات شبكات الجيل الخامس 5G، مع البعدين البيئي والإنساني وصولا لـ Port City.
التحول الرقمي البحري
خلال وبعد تفشي الجائحة تواجه أغلب الموانئ البحرية حول العالم تحديات يومية بسبب متطلبات البنية التحتية والنمو المضطرد للتجارة العالمية وبالأخص بعد التعافي من الجائحة، يحدث كل هذا بالتوازي مع تصاعد القدرة الإنتاجية، وتنامي الاحتياجات المالية وتزايد الحاجة إلى الامتثال للأطر التنظيمية بما في ذلك إجراءات الأمن والسلامة.
اقرأ أيضاً: كلمة العدد 82: ماذا بانتظار الصناعة البحرية في السنوات القليلة القادمة؟ |
لقد أظهرت الجائحة مدى أهمية التحول الرقمي البحري، والذي يتيح العديد من الفرص لتعزيز الإنتاجية وكفاءة الأداء واستدامة الخدمات اللوجستية، حيث يعمل التحول الرقمي على خفض التكلفة وزيادة الجودة وفرص النمو، ولكنه يتطلب مزيدا من الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية وميكنة أنظمة المدفوعات والإجراءات والتحول بسرعة إلى أنظمة مدفوعات إلكترونية، وضرورة الاعتراف بالوثائق الإلكترونية بدلا من الورقية والتي على أساسها يتم إنهاء الإجراءات الجمركية، ولكنه بحاجة إلى إستراتيجية واضحة ودقيقة لكل ميناء، أو بالأحرى استراتيجية جديدة وفاعلة للمنافذ البحرية الذكية، والتي تعمل على إعادة دمج السكان والمجتمع والنظام البيئي للميناء في البنية التحتية له.
الهجمات السيبرانية
في الأثناء، ازدادت أهمية البيانات بشكل كبير في الموانئ ضمن الثورة الرقمية، إذ أن البيانات الضخمة تحديدا اصبحت تساهم في التكنولوجية التنبؤية، وفي أنظمة الوقت المقدر لوصول السفن للموانئ وزمن تراكيها، ولعل أنسب تطبيق يتم استخدامه من قبل الموانئ المتقدمة الآن هو (Just-In-Time (JIT، وتشير بعض الإحصائيات المنشورة إلى أن متوسط الاستهلاك اليومي للبيانات لكل سفينة قد تضاعف أكثر من ثلاث مرات خلال فترة 14 شهرا، والتي مثلت ذروة تفشي الجائحة وبداية التعافي منها وبالتحديد في الفترة بين يناير 2020 ومارس 2021، وتشير التوقعات بحسب نفس الإحصائيات إلى أن قيمة الصناعة البحرية الرقمية ستصل إلى 345 مليار دولار بحلول العام 2030، بعد أن كانت تشير التوقعات إلى 279 مليار دولار.
اقرأ أيضاً: د. حمزة مساد يكشف في لقاء خاص عن خطط تعزيز برامج التعليم في الأكاديمية الأردنية للدراسات البحرية |
ومن جانب آخر، فإن الهجمات السيبرانية قد أخذت منحا تصاعديا منذ سنوات، وصارت إحدى الأخطار المتربصة بصناعة النقل البحري العالمية، بل وأصبح الأمن السيبراني هاجسا لدى الكثير من ملاك ومشغلي السفن، فعلى سبيل المثال تضاعفت الهجمات السيبرانية حول العالم في الفترة بين 2017 وحتى منتصف العام 2020 تسع مرات وكلفت 262.4 مليار دولار بنهاية العام 2021، في حين أوضحت دراسة أن 44% من متخصصي تشغيل السفن حول العالم يشعرون أن شركاتهم التي يملكونها أو تلك التي يعملون بها قد تعرضت الى هجمات سيبرانية، ولعلنا جميعا نتذكر الهجوم السيبراني الذي تعرضت له شركة ميرسك خلال العام 2017 والذي كبدها خسائر فاقت مبلغ 300 مليون دولار أمريكي، وبالتالي أصبح متوسط الكلفة السنوية للهجمات السيبرانية التي تتكبدها شركات الشحن العالمية هي 182 مليون دولار أمريكي، علما بأن هذا الرقم في تصاعد كل سنة.
مجلة ربان السفينة، العدد 82، نوفمبر/ ديسمبر 2022، رأي - بقلم د. عبدالله ونيس الترهوني إختصاصي إقتصاديات النقل البحري
، ص. 64