في الوقت الذي تقف فيه على أعتاب ميناء جبل علي في دبي، تشعر كأنك تحت غطاء العولمة، حيث تتحرك الحاويات المكدسة فوق الأفق بكل انسيابية وكأنها شرايين تضخ الدم في جسد الاقتصاد العالمي. والميناء، الذي يُعد عاشر أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم، يُمثل القلب النابض لتدفقات التجارة بين الشرق والغرب، ويُظهر كيف أصبحت دبي محوراً عالمياً للتجارة والخدمات اللوجستية.
تتجلى روح دبي التجارية بوضوح في ميناء جبل علي، وهو الإنجاز الذي كان يُنظر إليه في السبعينات على أنه «فيل أبيض» بلا فائدة. وعندما أعلن المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم خطط بناء الميناء، واجه انتقادات واسعة بأن المشروع سيفشل. لكن رؤية الشيخ راشد بعيدة المدى أثبتت صوابها، إذ أصبح الميناء شرياناً أساسياً للتجارة العالمية وركيزة اقتصادية لدبي.
ووفقاً لدراسة أجرتها «أكسفورد إيكونوميكس» عام 2021، يُساهم ميناء جبل علي والمنطقة الحرة المرتبطة به بحوالي 35% من الناتج المحلي الإجمالي لدبي، حيث تدعم الأنشطة التجارية والخدمات اللوجستية ما يقرب من 10 آلاف شركة تعمل داخل المنطقة الحرة.
ومع تزايد الحديث عن نهاية العولمة، يعكس ميناء جبل علي صورة مغايرة تماماً. فالميناء يستضيف أكثر من 180 خط شحن بحري تربط دبي بـ150 وجهة حول العالم، وهو يشهد تدفق ملايين المنتجات يومياً، بدءاً من الشاي والقهوة إلى الإلكترونيات والسيارات.
ومن جهة أخرى، تسهم «دي بي وورلد»، الشركة المشغلة للميناء، في بناء شبكة لوجستية عالمية تمتد من الأمريكتين إلى آسيا وإفريقيا وأوروبا، حيث تدير عمليات في أكثر من 75 دولة. وبذلك تُصبح دبي ركيزة أساسية في التجارة الدولية، حيث تُعالج موانئ الإمارات أكثر من 2.36% من حركة الحاويات البحرية عالمياً، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة.
ولا تقتصر إنجازات «دي بي وورلد» على جبل علي فقط، إذ استثمرت الشركة مليارات الدولارات في مشاريع لوجستية حول العالم. وفي السنغال، يتم بناء ميناء جديد بقيمة 1.2 مليار دولار، بينما تشهد الهند توسعات ضخمة بإجمالي استثمارات يصل إلى 3 مليارات دولار في ولاية غوجارات. وفي الوقت نفسه، تعمل الشركة على تعزيز قدرات موانئها في إندونيسيا وبيرو ولندن.
|
اقرأ أيضاً:دبي تقر خطة شاملة لتنظيم حركة الملاحة البحرية في ليلة رأس السنة |
وتُظهر الهند، التي تُعد شريكاً تاريخياً للإمارات، نموذجاً ناجحاً لشراكة اقتصادية متينة. واستثمرت «دي بي وورلد» حوالي 2.5 مليار دولار في البنية التحتية اللوجستية بالهند، وتخطط لتوسيع استثماراتها أكثر مع توقيع اتفاقية تجارة حرة بين البلدين في زمن قياسي لا يتجاوز 90 يوماً.
ورغم أن دبي شهدت تحديات اقتصادية في الماضي، مثل الأزمـــة المالية العالمية في 2008، إلا أن نهجها المبتكر في إدارة المؤسسات الحكومية بطريقة تجارية أسهم في تعزيز مكانتها الاقتصادية.
ويصف الأكــاديمي ستيفن هيرتوج نموذج إدارة «دي بي وورلد» بأنه يعــــــتمد على الاستقلالية والكــــفاءة في العــمليات اليومية، ما يجعــــلها واحدة من أنجــــح المؤسسات الحكومية في المنطقة. في النهاية، يبقى ميناء جبل علي شاهداً حياً على قدرة دبي على التكيف مع متغيرات الاقتصاد العالمي، حيث يُمثل رمزًا للإبداع والتنوع والابتكار في مشهد العولمة المتغير. فمن شانغهاي إلى مومباي، ومن دبي إلى المستقبل، يبدو أن المدينة تُرسخ مكانتها وجهةً لا غنى عنها في عالم التجارة.
المصدر: alkhaleej
