التخريد وإبرام شراكات وتطوير الترسانات: مصر تستعد لتأهيل وبناء أسطول وطني
تصاعدت المطالب مؤخرا بضرورة دعم صناعة إعادة التدوير والاستفادة من المواد المعاد تدويرها خاصة الحديد الصلب في بناء سفن جديدة، لا سيما وأن وزارة النقل تسعى لمضاعفة حجم الأسطول البحري ليسجل عدد الناقلات البحرية 31 سفينة عام 2030، لنقل 20 مليون طن بضائع سنوياً والتي تحتاجها السوق المحلية.
فقد أبرمت الوزارة مؤخرًا اتفاقية عبر – تابعتها – شركة الملاحة الوطنية، مع ترسانة هانتونج الصينية، لإضافة سفينتين جديدتين من أحدث سفن البضائع الجافة.
كما قامت "الملاحة الوطنية" خلال الأشهر الأخيرة بإدخال سفينة بحمولة 82 ألف طن ليصل إجمالي أسطولها البحري 13 سفينة.
وقد تم استطلاع آراء السوق الملاحية البحرية، لتقييم خطوات وزارة النقل المتبعة لدعم الأسطول الوطني، والتي تركزت في التعاقد على شراء سفن جديدة، لشركات القطاع العام، وأخذ الإجراءات المطلوبة لتشجيع القطاع الخاص لتشغيل وإدارة السفن، وفي الوقت نفسه تعميم صناعة تدوير وتخريد الناقلات البحرية.
وتقدمت النائبة راجية الفقي بمجلس الشيوخ إلى لجنة الإسكان والنقل بضرورة تطوير صناعة تخريد السفن المستهلكة وإنشاء مركز إقليمي، لافتة إلى أن 90% من حجم التجارة العالمية ينقل بحرا، مما يصاحبه خدمات لوجستية مختلفة تخلق قيمة مضافة للمنتجات النهائية.
أضافت أنه على الجانب الآخر هناك عدد كبير من السفن المستهلكة تصل إلى 700 سنويا، تعرضت لحوادث أخرجتها من الخدمة أو تعدت عمرها التشغيلي المحدد، مما أثر سلبيا على البيئة، لذلك اتجهت الدول إلى تفكيك السفن وإعادة تدويرها وفقا لاتفاقيات دولية .
وتابعت أن تلك الصناعة توفر خام الحديد الصلب، والذي يعد أساس صناعة وبناء السفن الجديدة بجانب مكونات أخرى، مشيرة إلى أن تلك الصناعة لا تحتاج تقنيات عالية التكنولوجيا وتعد كثيفة العمالة .
وقالت نائبة مجلس الشيوخ إن مصر مؤهلة بقوة لتلك الصناعة، لوجودها على خطوط التجارة الرئيسية، وتوافر العمالة و البنية التحتية والموانئ التي يسهل معها نقل الخردة إلى الأسواق المختلفة.
وطالبت بضرورة السماح باستيراد السفن منتهية الصلاحية مع تحديد الجهات المسئولة عن تنفيذ العمليات المصاحبة لهذه الصناعة، موضحة أن هناك مناقشات جارية بالمجلس يعقبها لاحقا زيارات ميدانية تفقدية لعدة مواقع بمرافقة ممثلي قطاع النقل البحري الحكومي ومشاركة القطاع الخاص والأكاديمي.
اقرأ أيضاً:وزير النقل يشهد على توقيع عقد يجمع شركة الملاحة الوطنية وترسانة هانتونج الصينية |
من جهته، قال الربان عمرو قطايا خبير النقل البحري أن تدوير السفن صناعة حيوية وتوفر أكثر من 60٪ من الفولاذ اللازم لبناء السفن، ويمكن أن تساهم تلك الصناعة بنحو 2 مليار دولار في الاقتصاد.
وقال قطايا إن تفكيك السفن يوفر خام الحديد الصلب (الفولاذ) بسعر منخفض بالكميات التي تحتاجها الدولة في ظل المشروعات الوطنية الحالية، حيث يتم توريد الفولاذ بشكل خاص لتطوير البنية التحتية ضاربا مثالا بدولة «بنغلاديش» والتي تستحوذ على تلك الصناعة وتوفر نحو 3 ملايين طن متري للمشاريع الضخمة.
وتابع أنه من المتوقع خروج عدد كبير من السفن نتيجة تطبيق قواعد العمر التجاري التشغيلي والملاحي والذي حددته القواعد الدولية الخاصة بالمنظمة البحرية الدولية وهي القواعد والمعاهدات التي نصت على أن عمر السفن التجارية يجب أن لا يتعدى 20 عاما، بينما الناقلة للركاب فالعمر التشغيلي الآمن لا يتعدى 15 سنة.
وقال إن معادن الفولاذ والحديد الخردة تعد سلعة استراتيجية مثل النفط، ويمكن توفيرها بدون استيراد وبالتالي توفير العملة الصعبة.
وأوضح أن الخردة مرتبطة ببناء الأسطول حيث يعاد استخدامها في بناء السفن الصغيرة، مع الاستفادة من مكونات أخرى بالسفينة مثل الآلات المساعدة والمعدات.
وفي السياق نفسه أكدت دراسة علمية بقسم الهندسة البحرية وعمارة السفن في جامعة الإسكندرية أن صناعة إعادة تدوير السفن بشكل عام واحدة من المشاريع المتوقعة الناجحة، والتي يمكن إضافتها ضمن قائمة مشروعات محور قناة السويس .
وأوضحت الدراسة أن صناعة تفكيك السفن توفر مدخرات العملة الأجنبية من استيراد الصلب، وكذلك توفير قدر كبير من العملات الأجنبية نتيجة تصدير الحديد إلى دول العالم، مع تقليل الحاجة إلى استيراد الصلب مما يحقق أرباحًا ضخمة من خلال تسويق نواتج التخريد.
أشارت الدراسة إلى أن مخرجات التخريد يمكن استغلالها في بناء سفن أصغر من الألواح الفولاذية التي تم تفكيكها، مما يحسن أداء الاقتصاد وستشارك في تطوير المجتمع بشكل عام.
ومن جانبه قال أحد أصحاب شركات تجارة الخردة أن شركته تحصل على حديد السفن خاصة الغارقة من خلال المزادات فقط، والتي تطرحها هيئات الموانئ دون وجود صناعة حقيقية.
وأوضح أن حديد السفن ينقسم لدرجات ما بين الحديد الأخضر وهو الأقل صدأ، وهناك الأكثر صدأ وهو "الرايش" وهناك حديد صنعة، ويستحوذ عليه أصحاب مصانع الحديد بالاتفاق مع الموردين على أحجام ومقاسات معينة من الخردة. وأشار إلى أن صناعة التخريد يمكنها تحقيق عائد كبير عندما يتم تقنينها في الترسانات الكبرى خاصة المتواجدة في بورسعيد.
وأشار رامي مكاوي رئيس مجلس إدارة شركة السويس للخدمات الملاحية إلى أن استعادة بناء أسطول وطني لا يعتمد على بناء السفن في الدول الأجنبية، فلا بد أن يكون من خلال مقاولين محليين وأيادي مصرية.
وطالب مكاوي بضرورة الاستفادة من صناعة تخريد السفن وتبنيها وإعادة استخدامها في بناء السفن الجديدة، مع الالتزام باستصدار قرارات صارمة لبناء الوحدات البحرية طبقا لاشتراطات الموانئ المصرية، خاصة أن مصر تتمتع ببناء المراكب فعليا ومنها الحرية 1 و2 و3 ، فضلا عن وجود كوادر ومكاتب استشارية ذات خبرة.
قال المهندس سيد بخيت نائب مدير ترسانة بورسعيد الأسبق إنه رغم قدرات الترسانات التابعة لهيئة قناة السويس أو الإسكندرية، إلا أن أحواض السفن تستوعب بناء نوعيات من 100 إلى 150 مترًا فقط، علما أن حجم التجارة بين مصر ودول العالم خاصة الصين يحتاج ذات أحجام كبيرة لنقل الواردات والصادرات.
وقال بخيت إن هناك اتجاه قوي بالتعاون مع كوريا الجنوبية خاصة شركة هيونداي لبناء ترسانة سفن في الأدبية، وذلك يستحق الدعم بقوة على حد قوله - لأنه يؤهل البلاد لبناء أسطول وطني.
وقال إن السوق المحلية في خمسينات القرن الماضي كانت تمتلك أسطولًا بحريًا ولكنه قل تدريجيا، بسبب عدم الاستمرارية في الصيانة، وعدم مواكبة التطورات التكنولوجية، مما إدى إلى تهالكه في نهاية المطاف.
وقال المهندس محمد حجاج الخبير في بناء وإصلاح السفن إن بناء ثلاثين سفينة نقل بضائع دفعة واحدة للأسطول المصري، يعد فرصة كبيرة جدا لإعادة تلك الصناعة، خاصة وأن الدولة المصرية لديها القدرة على توسيع شبكة التعاون مع الأطراف الخارجية التي لديها خبرة في هذا المجال.
وتابع أن الأمر ليس مجرد بناء أسطول نقل مصري بل الأهم تحقيق هذا الهدف، وإحياء جديد لتلك الصناعة والتي يمكن أن تكون المحطة الرئيسية لانطلاق الاقتصاد.
وأوضح حجاج أن الأمر يحتاج إلى دراسة دقيقة لتحديد الاحتياجات المطلوبة التي يمكن توفيرها من السوق المحلية، والأخرى سيتم استيرادها، والتواصل الجيد مع الموردين العالميين والمحليين المتخصصين في إنتاج الخامات والمعدات اللازمة للبناء وإبرام عقود منصفة.
وأكد محمد كامل الباحث في شؤون النقل الدول، أن تدعيم الأسطول الوطني بدأ بدعم الشركات الحكومية العاملة في هذا النشاط، خاصة “الملاحة الوطنية”، والتي تقوم منفردة بتنفيذ نقل القمح والذرة لصالح هيئة السلع التموينية، وبالتالي لديها سوقًا لاستيعاب السفن الجديدة. وتابع أن هيئة السلع التموينية تقوم خلال تعاقداتها بالنص على أن عملية النقل والشحن ستتم عبر سفن الشركة الوطنية للملاحة، وهو ما يضمن تشغيل الجديدة.
وأوضح كامل أنه يمكن للقطاع الخاص خوض تجربة تملك وتشغيل سفن بشكل أكبر، خاصة وأنه لا توجد دولة في العالم تعتمد في نقل تجارتها على شركة واحدة. وتابع أن الأمر يتطلب فقط إلزام المصدرين والمستوردين خلال تعاقداتهم بنقل المنتجات عبر سفن ترفع العلم المصري، وهو ما يعمل على تدعيم الأسطول المحلي، كما يمكن تخصيص جزء من برنامج دعم الصادرات للسفن.
وطالب بضرورة وجود مزايا للسفن الرافعة للعلم المصري عند دخولها للموانئ المحلية، خاصة وان تقارب مقابل الخدمات التي تدفعها الناقلات الأجنبية. وأوضح كامل ضرورة النظر في حل مشكلات رهن السفن، وتسهيل قيام أي شركة بطلب قروض من البنوك الأجنبية لدعم تلك الصناعة.
وأشار إلى أهمية حل مشكلات التفتيش البحري والذي يعد مسؤولا عن تسجيل السفن، والذي أصبحت رسومه مرتفعة للغاية، وغير مشجعة للشركات على زيادة استثماراتها في هذا النشاط. وأشار النائب عادل اللمعي رئيس غرفة ملاحة بورسعيد وعضو مجلس الشيوخ إلى أن هناك اهتمام خلال الفترة الاخيرة بدعم الأسطول البحري، خاصة من قبل وزارة النقل والترسانات المحلية.
وأشار إلى أنه خلال الأسابيع الأخيرة تم التقدم من قبل لجنة النقل والإسكان بمجلس الشيوخ بضرورة دعم الأسطول الوطني، وزيادة مشاركته في الناتج القومي، بالإضافة إلى زيادة نسبة ما يتم نقله من التجارة المصرية من صادرات وواردات.
وأكد اللمعي أن رئيس الجمهورية وجه قبل أكثر من عامين بتطوير النقل البحري المصري، خاصة الأسطول التجاري وتطوير الموانئ، بما يحقق أقصى عائد اقتصادي واستثماري وتجاري، بما يتسق مع الأمن القومى، ويساهم في استراتيجية تعزيز التجارة البينية المصرية مع التكتلات الإقليمية على مستوى العالم، وفي ضوء اتفاقيات التجارة الحرة، تعظيما لموقع مصر الجغرافي.
وأشار إلى أنه بعد مرور أكثر من عامين على تلك التوجيهات، ما زالت مساهمة الأسطول التجاري البحري متواضعة للغاية، نتيجة لتقادم سفنه فنيا أو ارتفاع متوسط أعمارها، ومحدودية عددها، وتواضع حمولتها.
وقال إن إجمالي عدد سفن الأسطول التجاري المصري طبقا للتوزيع العمري والحمولات يصل إلى ما يقرب من 44 سفينة فقط، مؤكدا ضرورة وجود تعديلات وتسهيلات الإجراءات لمُلاك السفن، وكذلك مخاطبة جميع الجهات المعنية لتقليل الوقت وتسهيل الإجراءات.
ولفت إلى أنه تم عقد جلسة مؤخرا بحضور عدد من ملاك السفن وقطاع النقل البحري، وتم مناقشة ضرورة تعديل القوانين الخاصة بالأسطول الوطني، وتسهيلات الإجراءات الخاصة بالتسجيل والتي يتم التعامل معها على أنها عقار، بالإضافة إلى ضرورة إلغاء موافقة وزير النقل على بيع السفينة التي ترفع العلم المصري.
من ناحية أخرى أشار مصدر مسؤول في قطاع النقل البحري إلى أنه جار اتخاذ عدد من الإجراءات الخاصة بدعم الأسطول الوطني، مؤكدا أن خطة وزارة النقل لا تقتصر فقط على ضم أسطول جديد من السفن للشركات الحكومية خاصة شركة الملاحة الوطنية والقاهرة للعبارات.
وذكر أن أهم تلك الإجراءات هو قانون للنقل البحري الموحد والذي تم الانتهاء من معظم بنوده، بالتعاون بين جهات وزارة النقل خاصة قطاع النقل البحري وهيئة السلامة المختصة.
المصدر: المال
اقرأ أيضاً | |
![]() |
|