تحية بحرية، 

نطالع في كثير من الأحيان مصادقة دولة ما، على اتفاقية دولية بحرية ما، وذلك كمساهمة منها في تطوير وتحسين قطاع النقل البحري فيها، وهي خطوة جيدة ومشكورة، على أن تضاف إلى غيرها من الاتفاقيات التي وقعتها هذه الدولة لإغناء ملفها البحري وبأنها دولة ملتزمة بالسلامة والمحافظة على البيئة البحرية. 

عند تقييم هذا الأمر نجد أن 171 دولة قد وقعت على اتفاقية سلامة الأرواح في البحار SOLAS، و 164 دولة وقعت على الملحق الأول من اتفاقية منع التلوث من السفن MARPOL، و 170 دولة موقعة على اتفاقية معايير التدريب والنوبة والشهادات للبحارة STCW وغيرها من أكثر من خمسين اتفاقية بحرية غالبيتها دخلت حيز التنفيذ بالرغم من عدم انضمام أكثرية الدول إليها، لكنها أمست ملزمة للدول الموقعة عليها وللسفن المبحرة دوليا مهما كانت جنسيتها. 

وفق ما تقدم، تتحمل الدول المنضمة لأي اتفاقية المسؤولية الأساسية لإنشاء، والمحافظة على، نظام مناسب وفعال للوفاء بالتزاماتها كدولة علم، أي على #السفن التي ترفع علمها، وكدولة ميناء، في #الموانئ الواقعة تحت سلطتها، وكدولة ساحلية.

لكن هل تم هذا الأمر؟ وهل تحملت الدول مسؤولياتها في هذا الخصوص؟ 
في العام 2006، استحدث نظام تدقيق الدول الأعضاء في المنظمة البحرية الدولية IMSAS، وكان طوعيا في بداياته، وأمسى بعدها ملزما على كل دولة كل سبع سنوات بدءا من الأول من يناير 2016. يهدف هذا النظام إلى تعزيز التنفيذ المتّسق والفعال لصكوك المنظمة المعمول بها، وإلى مساعدة الدول على تحسين قدراتها، مع المساهمة في تعزيز أدائها العام على المستوى المحلي والعالمي امتثالا لمتطلبات الصكوك التي هي عضوا فيها.

 

اقرأ أيضاً: كلمة العدد 86: كيفية التعامل مع التكنولوجيا المتقدمة والتطورات الجديدة

 

حتى طباعة هذا العدد، تم التدقيق على 117 دولة من أصل 175 دولة عضو في المنظمة، وسيضاف عليها 25 عملية تدقيق في العام المقبل، حيث من المقرر أن تكتمل دورة التدقيق الأولى لجميع الدول بحلول العام 2025. وتمنح كل دولة ثلاث سنوات، بحد أقصى، لتنفيذ خطة عمل الإجراءات التصحيحية لمعالجة النتائج Findings والثغرات التي ظهرت في عملية التدقيق، على أن يتم إجراء تدقيق ثاني متابع بعد الانتهاء من هذه الإجراءات، ولكن في موعد لا يتجاوز ثلاث إلى أربع سنوات بعد التدقيق الأول، من أجل تحديد حالة تنفيذ خطة العمل التصحيحية. 

لكن ماذا عن فعالية هذا النظام وهل تم تحقيق الهدف من إنشاؤه؟
تفيد المنظمة أن لنتائج عمليات التدقيق التي تشكّل دورا هاما في تحديد الثغرات ومعالجة المجالات التي يمكن للدول تحسين أدائها فيها، عبر تنفيذ الإجراءات التصحيحية التي طرحتها الدول لمعالجة كل نتيجة من نتائج التدقيق عليها، والتي يمكّن تحليلها من تحديد معطيات لمجالات العمل التنظيمي والمساعدة الفنية التي من الممكن أن تقدمها المنظمة، ما يوفر حلا مستداما.

الأمر الملفت والمقلق في آن معا، أنه من أصل 610 إجراء تصحيحي قدمتها الدول المدقَّق عليها للمنظمة، تم تطبيق 33 منها فقط بشكل كامل! والواقع الظاهر هو عدم التجاوب العالمي مع نتائج عمليات التدقيق.

 

اقرأ أيضاً: كلمة العدد 87: النافذة البحرية الواحدة: كيف يتحضر القطاع البحري لهذا التحول الرقمي؟

 

لكن ما هي الخطوة التالية؟ وما مصير هذا النظام؟
لا شك أنه سؤال دون جواب أقله في هذه المرحلة، فالقرار بأيدي الدول التي هي من الأساس أقرت ووافقت على نظام التدقيق عليها، لكن بعض المؤشرات التي قد تظهر خلال الفترة المقبلة ستتراوح بين الموافقة على نشر نتائج كل عمليات التدقيق، ونشر لائحة تبين أسماء الدول ذات الأداء العالي أو الملتزمة وتلك المتوسطة والضعيفة الأداء، وإتاحة ذلك بالطبع أمام جميع أصحاب المصلحة في قطاع #النقل_البحري. 

على جميع الدول، وخاصة تلك التي تعرف نفسها وتدرك عيوبها وتعلم أن مصيرها سيكون في اللائحة المتوسطة والضعيفة، التحرك لمعالجة ثغراتها وإلا قد تكون العواقب وخيمة على قطاعها البحري من سفن وطنية وموانئ والتزامات بحرية أمام ساحلها، وأقل هذه العواقب ستكون في قيام ملاك السفن بعدم رفع أعلام هذه الدول، وقيام الخطوط الملاحية وشركات التأمين بالتعامل معها على أساس أنها مناطق عالية المخاطر من ناحية السلامة البحرية، وبالتالي ستتقلص تجارتها البحرية وتقل الحركة إلى موانئها وسترتفع أجور الشحن إليها.
 
ختاما، وانطلاقا مما ذكر، على هذه الدول تحديدا سرعة التحرك، وعدم التأني، فالتأني هنا سيجلب الندامة، خلافا للمثل الشائع "في التأني السلامة"!

القبطان هيثم شعبان

 

اقرأ أيضاً

 العدد 88 من مجلة ربان السفينة

(Nov./ Dec. 2023)

 

أخبار ذات صلة