جرت العادة أن يقوم البنك الدولي مرة كل عامين بإصدار مؤشر الأداء اللوجستي لدول العالم في تقرير يُطلق عليه (Logistic Performance Index and Its Indicators (LPI Report، وقد صدر التقرير الأول منه في العام 2007 وضم حينها 153 بلدا حول العالم، ثم صدر التقرير الثاني في العام 2010 وضم 158 بلدا. انتظم صدور التقرير بعد ذلك مرة كل عامين، حيث صدرت النسخة الثالثة منه في العام 2012 لتضم 158 بلدا، تلا ذلك تقريرا العامين 2014 و 2016 يتضمنان 163 بلدا في كل تقرير، فيما صدرت النسخة السادسة من التقرير في العام 2018 واقتصرت على 160 دولة.

توقف التقرير عن الصدور في العامين 2020 و 2022 وذلك بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا، التي صاحبها توقف شبه كامل لحركة الطيران العالمية والتي تُعد من أهم شرايين الخدمات اللوجستية العالمية.

تقرير العام 2023
صدرت النسخة السابعة من مؤشر الأداء اللوجيستي العالمي قبل نهاية شهر أبريل من العام 2023، والتي تضمنت استطلاع 4090 خبيرا عالميا من الدول الساحلية والمغلقة وذلك في الفترة الممتدة بين 6 سبتمبر و5 نوفمبر 2022 أي في الفترة التي شهدت تعافيا من تبعات الجائحة، وقد تمت عنونة التقرير Connecting to Compete. ومن الملاحظ أن تقرير العام 2023 قد انحصر في 139 دولة نزولا من 160 دولة والتي شملها تقرير العام 2018، وصنّفت هذه النسخة من التقرير بعض الدول في ترتيبات متكررة والتي تعدّ سابقة في حد ذاتها. ومن الملاحظ أيضا أن التقرير نفسه قد صنف الدول في 5 مجموعات بحسب الدخل Income.

يحتوي تقرير العام 2023 على ترتيب الدول بناء على استطلاع آراء المختصين عن طريق استبيان، وقياس العوامل المركبة والمتداخلة للأداء اللوجستي، من دون قياس الاضطراب أو الانحراف في سلاسل الإمداد والتوريد. وعلى الرغم من عدم ضمان حيادية من تم استطلاع آرائهم، إلا أن القائمين على إعداد التقرير يرون أن الاستبيان هو أنجع الطرق لقياس الأداء في القطاعات المركبة أو المعقدة.

 

اقرأ أيضاً: في نظرة على سوق النقل البحري، يناقش رأي العدد 85 تطور ونمو سفن نقل البضائع المبردة

 

بشكل عام، يهدف المؤشر إلى مساعدة الحكومات في قياس مدى تقدمها في لوجستيات التجارة وكيفية تطوير الكفاءة والمهارات اللوجستية لها، وهذا ما يُفسر أن دولا تملك أراضي صغيرة وتقنيات عالية ولكنها لا تحتل الصدارة في هذا التقرير، والمؤشر العام يقيس الأداء من خمس درجات (من صفر إلى خمسة) وهو في الأساس متوسط حسابي لعدد 6 مؤشرات فرعية هي:

  • كفاءة عمليات التخليص الجمركي.
  • جودة البنية التحتية للبلد والمرتبطة بمجالي التجارة والنقل.
  • سهولة ترتيب الشحنات بأسعار تنافسية.
  • جودة الخدمات اللوجستية نفسها.
  • القدرة على تتبع مسار الشحنات والبضائع.
  • معدلات وصول الشحنات إلى أصحابها وفي الوقت المحدد لها.

كفاءة الخدمات اللوجستية  
ما حدث من اضطرابات في سلاسل التوريد والإمداد العالمية خلال العامين 2020 و2021 بسبب الجائحة قد أظهر مدى هشاشتها، وبالتالي بات من الأهمية وجود خدمات لوجستية موثوقة، وصار قياس أدائها أكثر أهمية من أي وقت مضى، لأن كفاءة الخدمات اللوجستية ستُمكن من تكامل سلاسل القيمة العالمية.

تأتي أهمية تقرير مؤشر آداء الخدمات اللوجستية العالمية كونه يمثل ميزان قياس قدرات الدول التنافسية داخل وخارج حدودها، وبالتالي فإن عدم كفاءة الخدمات اللوجستية سيؤدي إلى زيادة كلفة ممارسة أنشطة الأعمال وتقلص إمكانية التكامل مع سلاسل القيمة العالمية. 

وهذا ما يفسر تكبد أغلب البلدان النامية خسائر كبيرة أثناء محاولاتها التنافس في السوق العالمية، وبالتالي فإن الحكومات ستتمكن من خلال إستخدام هذا المؤشر من فهم الصلة بين الخدمات اللوجستية والتجارة من جهة، والسعي لتحقيق نسب نمو أفضل من جهة أخرى. ومن الملاحظ أن مؤشر العام 2023 قد قاس سرعة التجارة في الدول لأول مرة، وبالتالي فإن دول العالم أصبحت معنية برسم سياسات أكثر ملائمة كي تُمكنها من المنافسة وذلك بالإعتماد على هذا المؤشر.

على الرغم من تحسن الآداء اللوجستي لدول العالم إلا أن تقرير العام 2023 قد نوه إلى إتساع الهوة بين الدول الأعلى دخلا وهي المتصدرة للمؤشر والدول الأقل دخلا وهي القابعة في ذيله، وأوضح أنها تزداد بمرور الوقت.

 

اقرأ أيضاً: الحد من آثار تغير المناخ يتطلب وضع المعايير والتحقق منها وتوحيدها

 

التقييم الكمي والنوعي
في المجمل يُمكن القول بأن أي دولة شملها مؤشر الأداء اللوجستي لها منظور محلي وآخر عالمي، عن طريق استخدام استبانات المتخصصين في الخدمات اللوجستية وسلاسل الإمداد لكل بلـد على حدة. 

وقد جرت العادة أن يُقـدم التقرير مؤشرا محليا لأداء الخدمات اللوجستية ويتضمن تقييمات كمية ونوعية لخدمات البلد من طرف المتخصصين في مجال اللوجستيات والعاملين من داخل البلـد، تشمل معلومات مفصلة بشأن البنية التحتية، وجودة مقدمي الخدمات، والإجراءات الحدودية والجمركية، وموثوقية سلسلة التوريد داخل سلسلة التجارة الخارجية أو الداخلية على حد سواء، إلا أن تقرير العام 2023 قد اكتفى بالمنظور العالمي فقط.

واقع دول العالم حسب تقرير 2023 
تواصل البلدان مرتفعة الدخل وبشكل دائم ظهورها كدول رائدة في مجال الخدمات اللوجستية. وقد تصدرت سنغافورة وهي دولة صغيرة تصنيف العام 2023 بمعدل 4.3 من 5 مع العلم أنها كانت في المرتبة السابعة في مؤشر العام 2018، تلتها في المركز الثاني فنلندا بمعدل 4.2 صعودا من المركز العاشر الذي احتلته في العام 2018. 

أما الدانمارك فقد صعدت إلى المركز الثالث بمعدل 4.1، بعد أن كانت في المركز الثامن في تقرير 2018، فيما هبطت إلى المركز الثالث كل من المانيا وهي التي كانت تتربع على قمة هرم تصنيف العام 2018، وهولندا وسويسرا بعد أن كانتا في المركزين السادس عشر والثالث عشر على التوالي في مؤشر 2018.

بمعدل 4.0 من 5.0 تراجعت النمسا إلى المركز السابع بعد أن كانت رابعة في تصنيف العام 2018، وكذلك بلجيــكا بعد أن كانت ثالثة في تصنيف العام 2018. وتقدمت كندا بعد أن كانت في المركز العشرين في تصنيف العام 2018، وبالمثل تقدمت هونغ كونغ والتي كانت المركز الثاني عشر في تصنيف العام 2018، في حين هبطت السويد بعد أن كانت في المركز الثاني في تصنيف العام 2018، وتقدمت الإمارات بعد أن كانت في المركز الحادي عشر عالميا في تصنيف العام 2018.

 

اقرأ أيضاً: كلمة العدد 86: كيفية التعامل مع التكنولوجيا المتقدمة والتطورات الجديدة

 

من بين البلدان ذات الدخل المنخفض و/أو المتوسط، تميزت البحرين وجيبوتي واستونيا ولاتفيا وبولندا والبرتغال، بالإضافة إلى بلدان الأسواق الناشئة والكبيرة مثل الهند وروسيا وتركيا والبرازيل التي تميزت بأعلى أداء ضمن فئتها، حيث تحظى البلدان سالفة الذكر بفرص وصولها إلى البحر مباشرة، كما أنها تقع بالقرب من مراكز محورية Ports  Hub.  

واقع الدول العربية 
فيما يخص الدول العربية، وبحسب تقرير العام 2023 فقد أتت النتائج متباينة جراء خلل وتذبذب مؤشرات التنمية في هذه البلدان، وبعد إجراء مقارنة لترتيب الدول العربية بين تقريري العامين 2018 و 2023 فإننا نخلص إلى الآتي: حافظت دولة الإمارات العربية المتحدة على صدارتها على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحلت في المركز السابع مكرر عالميا في تصنيف 2023 وبمعدل 4.0 من 5.0 بعد أن كانت في المركز 11 عالميا في تقرير العام 2018، أما البحرين فقد حققت قفزة في سلم الترتيب وحلت في المركز الثاني عربيا و34 عالميا وبمعدل 3.5 صعودا من المركز الخامس عربيا و 59 عالميا في تقرير 2018.

تراجعت قطر إلى المركز الثالث عربيا والمركز 34 مكرر في تصنيف 2023 وبمعدل 3.5، بعد أن كانت في المركز الثاني عربيا والـ 30 عالميا في تقرير 2018، وتقدمت المملكة العربية السعودية إلى المركز 38 مكرر في تصنيف 2023 والرابع عربيا وبمعدل 3.4 بعد أن كانت في المركز الرابع عربيا والمركز 55 عالميا في تقرير العام 2018، أما سلطنة عُمان فقد تراجعت من المركز الثالث عربيا و 43 عالميا في تقرير 2018 إلى المركز الخامس عربيا و 43 مكرر وبمعدل 3.3 في تصنيف 2023، فيما جاءت كل من الكويت ومصر وجيبوتي والجزائر والعراق والسودان وموريتانيا وسوريا واليمن والصومال وليبيا في المراكز من السادس الى السادس عشر عربيا، والمراكز 55، 58، 79،98،119،122،129، 130، 133، 137، 139 عالميا على التوالي، في حين أن 4 دول عربية لم يشملها تصنيف العام 2023.

مجلة ربان السفينة، العدد 86، يوليو/ أغسطس 2023،رأي - بقلم الدكتور عبدالله ونيس الترهوني، ص. 60

 

اقرأ أيضاً

 العدد 86 من مجلة ربان السفينة

(Jul./ Aug. 2023)

 

أخبار ذات صلة