بقلم Hannes Swiegers، مدير خدمات التفتيش والإصلاح والصيانة والعمليات عن بعد في شركة "Fugro" الشرق الأوسط والهند، وRoss Macfarlane، مدير برنامج العمليات عن بعد في "Fugro"، الإمارات العربية المتحدة.

شكل التقدم التكنولوجي أحد أبرز سمات المئة عاما الماضية، والتي شهد العالم خلالها تطورات متسارعة وتحولات كبرى، ألقت بظلالها على مختلف نواحي الحياة. ففي خمسينيات القرن الماضي، كان يتولى قيادة طائرات الركاب فريق قوامه خمسة من الطيارين والفنيين وخبراء الملاحة الجوية في قمرة القيادة، وذلك لضمان القدرة على التحكم بالطائرة وأنظمة الإتصال والتشغيل والتوجيه، والتي اعتبرت آنذاك ثورة في قطاعات الطيران والنقل. وفي عالم اليوم، إختلف هذا المشهد بصورة جذرية، في ظل ابتكارات التكنولوجيا المتقدمة وحلول الأتمتة والتحكم الذاتي التي خففت الحاجة للتدخل البشري في الرحلات الجوية، وجعلت الطيران الوسيلة الأكثر سلامة للنقل. ويشمل نطاق هذا التحول مجمل القطاعات والمجالات، مما يعزز أهمية مواكبة ثورة الأتمتة والرقمنة، وفهم انعكاساتها على اتجاهات الأسواق ومتطلبات الأعمال، باعتبارها ركائز أساسية لنجاح المؤسسات واستمرارية نموها وتفوقها رغم شدة المنافسة.            

 Ross Macfarlane

واليوم، تتيح ابتكارات التكنولوجيا المتقدمة للبشرية تحقيق إنجازات كانت بالأمس القريب أفكارا مجردة ومفاهيم نظرية عصية على التطبيق العملي. فعلى سبيل المثال، شهدنا في العام الحالي إطلاق أول رحلة لمركبة فضائية ذاتية القيادة، ونجاحها بنقل طاقم مدني إلى محطة الفضاء الدولية. ويعتبر هذا الإنجاز مصدر إلهام وحافزا لنا للتفكير والعمل بمنهجية تتجاوز القيود والعوائق التقليدية، ورفع سقف طموحاتنا وثقتنا بقدراتنا على بلوغ أهداف لطالما اعتقدنا أنها مستحيلة. وتمثل مراكز العمليات عن بعد إحدى أبرز مخرجات التطور التقني المتسارع، حيث توفر هذه المراكز حلولا وأدوات نوعية ترتقي بكفاءة وموثوقية وسلاسة العمليات التشغيلية، وتعزز سلامة وأمان فرق العمل، وتتيح إمكانية إدارة ومراقبة العمليات من نقاط مركزية بعيدة عن مواقع العمل الفعلية. وتكتسب هذه المراكز أهمية أكبر ضمن القطاعات الحيوية، بفضل إمكاناتها المتميزة في إدارة الأصول والنظم والبيانات من أي مكان حول العالم. ويؤدي الإعتماد على مراكز العمليات عن بعد إلى تحول نوعي في آليات العمل من خلال:  

  • الرقابة المركزية للأصول ومواقع العمل النائية والنقاط التي يصعب الوصول إليها. 
  • التحكم التلقائي بالعمليات في المرافق والمنشآت البعيدة دون الحاجة لتدخل بشري. 
  • رفع المرونة التشغيلية بالإستعانة بنقاط تحكم متنقلة. 
  • إتباع منهجية استباقية وتعزيز التعاون وتبادل الخبرات وتسهيل التواصل بين أصحاب الإختصاصات المختلفة من خلال تواجدهم ضمن منصةٍ واحدة.  

Hannes Swiegers

البيانات وأتمتة العمليات 
وتتطلب كفاءة العمليات عن بعد تعزيز الاعتماد على البنى التحتية والمنظومات التقنية الداعمة للأتمتة والتحكم عن بعد، ولا سيما المنظومات المستقلة لتوفير البيانات الجغرافية والتحليل باستخدام الحوسبة السحابية، لكونها تزيد سرعة وموثوقية اتخاذ القرارات استنادا إلى معطيات ومسوحات دقيقة. ونشهد اليوم تنامي الإعتماد على الروبوتات والأنظمة ذاتية الحركة، بفضل تطور تقنيات الإستشعار وجمع البيانات ومعالجتها، مما يتيح تنفيذ عمليات ميدانية من خلال مركبات يتم تشغيلها والتحكم بها في مراكز تبعد مئات الكيلومترات عن مواقع العمل. كما تعتمد هذه الروبوتات والمركبات ذاتية الحركة على الأنظمة فائقة التطور وتقنيات الذكاء الإصطناعي التي تمكنها من اتخاذ القرارات بصورة مستقلة، وأداء مهام العمل دون أي تدخل بشري.    

ورغم حجم هذه التغيرات وأثرها الكبير على الصناعات، إلا أنها تمثل الخطوات الأولى على درب التحول الكامل نحو المنظومات الذكية. ويحمل هذا التحول في طياته الإجابة على التساؤلات المتعلقة بأنظمة الطاقة والسلامة والإنبعاثات، والتي تشكل أولويات أساسية في مجالات الأتمتة والرقمنة والتحكم عن بعد. وفي ضوء ذلك، يواصل الخبراء العمل على تطوير حلول كفيلة بتعزيز أمان وسلامة هذه المنظومات، وتخفيف تأثير عملياتها على البيئة، وضمان توافر إمدادات الطاقة الكافية لاستمرارية عملها لفترات طويلة.  

وتولي الحكومات والمؤسسات والشركات المعنية حول العالم أهمية كبيرة لضمان السلامة في مواقع العمل، وتحرص على الإستغناء عن تواجد العنصر البشري في المواقع الخطرة والبيئات التي تشكل خطرا على السلامة. ويؤدي هذا التوجه إلى الحد من النسبة الأكبر من الحوادث من خلال منع أسباب حدوثها. كما يحقق هذا التغيير المنهجي مزايا عديدة من ضمنها زيادة كفاءة مواقع العمل من خلال إعادة تصميمها بمنهجية تراعي غياب العنصر البشري واستبداله بالروبوتات وأنظمة التحكم عن بعد، وانتفاء الحاجة لمعظم المرافق الإضافية التي يتم تشييدها لتلبية احتياجات فرق العمل، والتي عادة ما تمثل تحديا كبيرا في التصميم والتشييد، وخاصة ضمن منشآت الحقول البحرية. ويجب على الشركات مواكبة هذا التحول بكفاءة من خلال إجراء تغيرات شاملة تتضمن ثقافة العمل والرؤى والإستراتيجيات المؤسسية. وتعد مراكز التحكم عن بعد إحدى محركات هذا التحول، حيث تمثل النقاط الرئيسية للإتصال والتحكم والمراقبة، وتتولى ضمان كفاءة منظومات التشغيل المؤتمتة. كما يتطلب تعزيز كفاءة الإنتاجية والعمليات التشغيلية في بيئات العمل الحديثة زيادة الإعتماد على الأتمتة وتقليص الحاجة للتدخل البشري، إلى جانب التركيز على العناصر الرئيسية وإحداث التكامل بين مختلف مراكز العمليات عن بعد.     

الملامح المستقبلية لحقول الطاقة البحرية  
في هذا الصدد، تشهد حقول الطاقة البحرية تحولات كبيرة ستتسارع وتيرتها مستقبلا، من أبرزها تنامي الإعتماد على البيانات نظرا لأهميتها المحورية لأنظمة التشغيل الذكية والعمليات عن بعد، واستدامة النمو وكفاءة الأداء، وتقليل أوقات توقف العمليات لإجراء الصيانة والإصلاحات، وتسريع وتيرة اتخاذ القرارات، وزيادة الفعالية في إدارة الأصول. وستشكل الروبوتات ونماذج المحاكاة الرقمية جزء رئيسيا من المشهد المستقبلي لقطاع حقول الطاقة البحرية، إذ ستتيح إجراء عمليات الصيانة بفعالية أكبر، والمتابعة المباشرة للمرافق والأصول، وتحديد نقاط الضعف ومكامن الخلل قبل أن تشكل تحديا فعليا. بالتوازي مع ذلك فإن التحول نحو الصيانة الإستباقية سيصبح أكثر تسارعا، مما سيؤدي لتقليص أوقات توقف العمليات والحد من احتمالية وقوع الحوادث. كما ستضمن مراكز التحكم عن بعد اتخاذ القرارات فوريا وتوجيه العمليات بشكل متزامن من خلال الجمع بين مختلف الخبراء وفرق العمل المعنية، عوضا عن تواجدهم ضمن أماكن مختلفة ونقاط بحرية وبرية متفرقة تفصل بينها مسافات كبيرة.   

وتشمل أبرز انعكاسات التحول ضمن هذا القطاع الحيوي الإرتقاء بجودة وكفاءة الإتصال والأمن السيبراني والتحكم والسيطرة، وإحداث تغيير جذري في برامج استقطاب الكفاءات وإدارة الموارد البشرية لتواكب ثقافة أتمتة العمليات والتحكم عن بعد، وزيادة الربحية وتعزيز آفاق النمو من خلال خفض الأعباء التشغيلية وتحقيق التكامل بين كافة نقاط ومراكز العمليات. وتعد الحقول البحرية إحدى القطاعات الأسرع تحولا، وتمثل بيئات حاضنة لاختبار وتوظيف منظومات مبتكرة ومفاهيم مستقبلية، سيكون لها أثر إيجابي ملموس على العديد من القطاعات الأخرى. لكن هذا الواقع لا يقلل الحاجة للتحسين المستمر، وخاصة على مستوى السلامة التي تشكل أولوية أساسية في قطاع الطاقة، بالإستفادة من تطبيقات التكنولوجيا المتقدمة والحلول التي تتيحها الأنظمة الحديثة للمسح الجغرافي وجمع ومعالجة البيانات. 

مما لا شك فيه أن السرعة في مواكبة مسار التحول تمثل عاملا أساسيا في تطوير العمليات، وتعزيز آفاق النمو، ورفع مستويات الكفاءة والسلامة والإستدامة، وزيادة الجاهزية للمستقبل. ويكتسب هذا التوجه أهمية أكبر في القطاعات الحيوية، كما هو حال حقول الطاقة البحرية، والتي تمثل عصبا رئيسيا للإقتصاد العالمي، وقوة دافعة لتطور ونمو القطاعات الأخرى. وتشكل البيانات الجغرافية ومنظومات المسوحات والرقمنة والتحكم عن بعد عناوين رئيسية لهذا التحول، وجزء لا يتجزأ من مستقبل الطاقة.    

مجلة ربان السفينة، العدد 80، يوليو/ أغسطس 2022، رأي.
 

اقرأ أيضاً

 العدد 80 من مجلة ربان السفينة  

(يوليو/ أغسطس 2022)

 

أخبار ذات صلة