تداعيات جائحة "كورونا" على دول العالم لم تبقِ شيئا لم تؤثر به، ولعل من أهم التأثيرات التي ألقت بظلالها بصورة مكلفة وتضخمية هي أسعار الشحن البحري عبر دول العالم، فبعد عودة الدول اقتصاديا بتدرج لحياتها الطبيعة والفتح لعودة العمل في القطاع الخاص والشركات والمؤسسات زاد الطلب وهو في الأساس عودة لمستويات الطلب ما قبل "كورونا" فهي ليست نمواً في الطلب كشيء إضافي، وقد يكون لبعض المنتجات، ولكن تضاعف الطلب خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وتضاعفت الأسعار لأكثر من 200 % أو 300 %، يقول "حسب الاقتصادية" آلان مورفي رئيس شركة "سي إنتليجنس" الاستشارية "نفتقر بشكل أساسي إلى السفن والحاويات الفارغة"، وأضاف "هناك نقص هائل في الحاويات الفارغة، فهي موجودة في المكان الخطأ وعالقة في موانئ بعيدة وغير متوافرة في آسيا" لتحميلها بالبضائع، وقد تضاعف مؤشر بورصة البلطيق في لندن للشحن البحري، الذي يرصد بالتعاون مع مجموعة فرايتوس في هونغ كونغ أسعار نقل حاويات الـ 40 قدما عبر 12 خطا بحريا رئيسا، أكثر من ثلاث مرات خلال عام ليصل إلى نحو سبعة آلاف دولار لنقل حاوية من الصين إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، أما كلفة نقل حاوية إلى أوروبا فقد وصلت إلى عشرة آلاف دولار، مقارنة بـ 1600 دولار فقط في الفترة نفسها العام الماضي.

اقرأ أيضاً: أوروبا تشجع على استخدام غاز النفط المسال في النقل البحري

هذه الأسعار لا يتوقع أن تعود لمستويات السابقة حتى نهاية العام كما قال جان مارك لاكاف الرئيس التنفيذي لهيئة خبراء الخدمات البحرية الفرنسية "ارماتور دي فرانس" إنه لا يتوقع عودة الأمور إلى طبيعتها قبل الربع الأول من 2022. وهذه المستويات السعرية سترفع بلا شك للأسعار أيا كانت السلعة التي يتم شحنها لأي دولة في العالم، ولنا تخيل تضاعف الأسعار لأكثر من 3 أضعاف وانعاكسه على الأسعار للمنتج النهائي، وتأثيره أيضا على المنتجين والمستهلك النهائي، رغم أن ذلك يصب في صالح شركات الشحن البحري التي حققت مستويات إيراد عالية غير مسبوقة، فقد سجلت شركة "سي إم إيه سي جي إم" للحاويات والشحن ومقرها مرسيليا أرباحا صافية تزيد على ملياري دولار في الربع الأول من 2021 وحده، أي 40 مرة أكثر من العام السابق.

Issue 73تصفح العدد الأخير من مجلة ربان السفينة
(العدد 73 - مايو/ يونيو 2021)

وأعلنت منافستها الدنماركية "ميرسك" أرباحا صافية أعلى بلغت 2.7 مليار دولار للأشهر الثلاثة الأولى من العام، أي 13 ضعفا أكثر من العام الماضي. ومع الضخ المالي الحكومي "كالأميركي" لإنعاش الاقتصاد وكما فعلت معظم دول العالم بمستويات متباينه، ولد ذلك طلبا عاليا على السلع بعد جائحة أوقفت دوران عجلة إنتاج السلع والطلب معا، فكأنها انطلاقة سيارة من صفر إلى 100 كيلو بثواني، وهذا ما حدث من وقف الطلب ثم ارتفاع عالٍ جدا لم يتحمله المنتجون وشركات الشحن، وألقت بظلالها السعرية، فالركود والتباطؤ الاقتصادي لا يعني بالضرورة انخفاض الأسعار، بل قد يعني ارتفاع الأسعار أو ما يسمى "الركود التضخمي" وهذا ما يمكن أن نراه في العالم كمثال تكلفة الشحن، وحتى انخفاض إنتاج المصانع أو المنتجين لا يعني الركود تراجع الأسعار بقدر ما يعني ارتفاعا، بقاعدة زيادة الإنتاج تخفض التكلفة والعكس صحيح.

المصدر: جريدة الرياض

أخبار ذات صلة