قال خبراء بالمجتمع الملاحى إن تصنيع الحاويات محليا فرصة استثمارية كبيرة توفر ملايين الدولارات من العملة الصعبة سنويا، لكن هناك عدة تحديات أبرزها التسويق خارجيا وصعوبة المنافسة أمام الحاويات الصينية، فى ظل ضعف الأسطول الوطنى مما يتطلب شراكة أجنبية. فى نفس الوقت، أشار عدد من العاملين فى قطاع النقل البحري، أن تأسيس مصانع لإنتاج الحاويات، ليس بمثابة بداية الطريق لتدشين خط ملاحى مصر، مطالبين التركيز على نجاح الإنتاج أولاً ثم التوجه لتأسيس خط ملاحى من السفن.
وحصلت وزارة النقل مؤخرا على موافقة المؤسسات الدولية لتوطين صناعة الحاويات وفق معايير عالمية، وتأسيس أول مصنع وطنى لتصنيع الحاويات على مساحة 273 فدانًا كمرحلة أولى قابلة للتوسع بمشاركة شركة عز الدخيلة.
وتطمح وزارة النقل، فى تكوين أسطول بحرى يضم 36 سفينة بحلول عام 2030 لنقل 25 مليون طن بضائع من السلع الأساسية للسوق المحلية، والوصول لحجم تداول 40 مليون حاوية منها 10 ملايين حاوية ترانزيت، مقابل 12 مليون حاوية فى الوقت الحالي، لاسيما بعد التطويرات التى نفذتها بالموانئ بقيمة تتجاوز 230 مليار جنيه خلال الفترة من 2014 حتى منتصف العام الحالي. وقال اللواء إيهاب البنان رئيس مجلس إدارة وكالة كلاركسون شيبنچ إنه لا يمكن ربط تصنيع الحاويات محليا بتأسيس خط ملاحي، والذى بدوره يتطلب معايير لا تتوفر حاليا، منها بناء سفن حاويات ومكاتب منتشرة بدول العالم وتجارة بينية، واتفاقيات تدفع الخط لنقل مزيد من البضائع. وقال “البنان” أن السوق المحلية تستورد أكثر من مما تصدر من بضائع، وبناء خط ملاحى صعب للغاية، لعدم امتلاك الأسطول الوطنى سفن حاويات باهظة التكاليف.
وأوضح أن الحاويات تعد صناعة سهلة ليست فى حاجة لخبرات كبيرة، ولكنها تواجه نقطة ضعف، وهى التسويق مما يتطلب وجود شريك أجنبى، يقوم بخطة تسويقية لهذا المنتج. وقال شريف صبرى استشارى التصدير بإحدى شركات البتروكيماويات، إن مصر تستورد معظم الحاويات من الخارج، وبناء مصنع حاويات محليا يمكن أن يتبعه تأسيس خط ملاحى يوفر العملة الصعبة. وأوضح “صبري” أن توفير حاويات مخصصة للبضائع المصرية خاصة البتروكيماويات بأسعار تنافسية ومزودة بأنظمة تهوية وعوازل حرارية وسعات تخزينية سيحل الكثير من أزمة ذلك القطاع. وأشار إلى أن القطاع يواجه عدد من المعوقات أبرزها محدودية القدرة الاستيعابية لدى بعض الموانئ ونقص التجهيزات الحديثة اللازمة للتعامل مع المواد الكيميائية، مما يعرضها للتلف أو التسرب، ويزيد من نسبة الحوادث بسبب بدائية عمليات الشحن والتفريغ. و لفت “صبرى “ إلى أن مشروع تصنيع الحاويات سيواجه منافسة دولية شرسة أمام الصينية والماليزية، مما يتطلب التركيز على أعلى جودة للمنتج وأسعاره التى يتطلب أن تكون تنافسية. وطالب بضرورة التعاون مع شركات تمتلك خبرة فى تصنيع الحاويات، لاسيما وأنها تتطلب إدارة دقيقة للتحديات الفنية والجيوسياسية والتكنولوجيا والعمالة. وقال “صبري” إن توطين صناعة الحاويات يتطلب دراسة احتياجات دول القارة السمراء، وتسويقها لدى الخطوط الافريقية والاستفادة من خطوط الرورو المستهدف تنفيذه مع تركيا والسعودية.
من جهته قال الدكتور عمرو جودة مدير التخطيط بـ APMT MAERSK إن تصنيع الحاويات من الصناعات قليلة الانتشار بالعالم وتتركز بشكل أكبر فى الصين، ونظرا لطبيعة موقع الدولة المصرية أصبحت جاذبة لذلك النشاط،مشيرا إلى أنه حاليا يتم دراسة بناء مصنع آخر للحاويات بالسخنة بشراكة أجنبية. وقال إن تصنيع الحاويات يتطلب أولا أسطولًا بحريًا تجاريًا قويًا يتبعه خط ملاحي، حتى يمكن تسويق تلك الحاويات المصنعة محليا، مدللا بالخط الملاحى هيواندى الذى بدأ نشاطه بتصنيع السفن وبناء أسطول ثم أسس خطًا ملاحيًا. وقال إن إنشاء خط ملاحى لابد أن يكون خطوة أولى ثم تصنيع الحاويات كقيمة مضافة له، موضحا أن شركة الشحن العالمية “ميرسك” تقوم بتصنيع الحاويات فى الصين لحسابها،مما سيجعل مصر أول دولة فى أفريقيا والشرق الأوسط تمتلك مصنعا للحاويات، ويعزز مكانتها اللوجستية، خاصة بعد تطوير قناة السويس والموانئ مثل الدخيلة والإسكندرية والسخنة، بجانب امتلاك مصر ترسانات للإصلاح والصيانة.
ومن ناحيته يرى أحد الخبراء الملاحيين رفض ذكر اسمه أن تصنيع الحاويات فى مصر يواجه تحديات جسيمة أبرزها صعوبة المنافسة أمام الشركات الصينية عالية الجودة ومنخفضة السعر، الى جانب ارتباط الخطوط الملاحية بعقود طويلة الأجل لعودة الحاويات من الموانئ الصينية إلى أوروبا وأمريكا محملة بالشحنات. وكشفت بيانات صادرة عن معرض آسيا للنقل البينى للحاويات 2025، أن إجمالى حجم إنتاج الحاويات فى الصين بلغ 8.1 مليون حاوية قياسية خلال عام 2024، بزيادة %268 عن عام 2023، ليسجل أعلى مستوى فى التاريخ. وقال الدكتور أحمد خليل مدير الملاحة بالخط الملاس “أركاس” إن خطوة إنشاء مصانع للحاويات تعد إيجابية، لكن تأسيس خط ملاحى مصرى يواجه عدة معوقات داخل الأسطول المصري، والذى يتسم بالضعف وتكوينه سيتطلب معايير مالية وتقنية وتشغيلية.
وأشار “خليل “إلى أن تشغيل الخط الملاحى سواء كان فى إدارة السفن والحاويات بالموانئ المختلفة أو الإدارة التقنية والتكنولوجيا بشكل عام سيقلل الميزة التنافسية، خصوصا فى ظل المنافسة الشرسة فى سوق الخطوط الملاحية العالمية المتقدمة فى كل البنود السابقة. وطالب بضرورة اهتمام وزارة النقل بهذا الملف من حيث بناء السفن الحديثة وفقا للمتطلبات السوقية والتكنولوجية، وكذلك الاهتمام بتطوير الورش الخاصة بتصنيع وصيانة السفن، بالإضافة الى رفع الكفاءة الفنية للعاملين والفنيين وثقل مهاراتهم وخبراتهم. ويرى الدكتور أحمد الشامى خبير النقل واللوجستيات أن هناك فرصة استثمارية واعدة من توطين صناعة الحاويات محليا،حيث يمكن أن تحقق الدولة أموالا طائلة،وتوفر غرامات الخطوط الملاحية بالعملة الأجنبية، من خلال نقل البضائع إلى الحاويات المحلية فى حالة التكدس و تأخير الحاويات بالموانئ شريطة موافقة أصحاب البضائع.
وتابع أن تلك الفرصة متاحة بشكل كامل للقطاع الخاص، ويمكن عمل خط انتاج لـ 1.5 مليون حاوية سنويا،على أن يكون مكان المصنع بجوار ميناء السخنة، مما يعظم من مشروعات تطوير السخنة الجارية. وأضاف”الشامي” أن عملية تصنيع الحاويات تواجه تحديات التسويق مما يتطلب شراكة أجنبية تملك خبرات قوية فى التسويق والتكنولوجيا الحديثة، مشيرا إلى أنه يمكن استغلال تلك الحاويات فى أنشطة أخرى غير النقل البحري.