كان من المقرر ان تتطرق كلمتنا لهذا العدد حول مسألة مؤثرة بشكل كبير على قطاع النقل البحري، وهي دخول نظام الاتحاد الاوروبي لتجارة الانبعاثات EU ETS في مطلع هذا العام حيز التنفيذ، لكن شطر بيت شعر ابي الطيب المتنبي "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" هو ما انطبق على حالنا وأمسى أولوية كونه يحاكي بشكل كبير ما يجري في هذه الأيام.

كيف لا وجزء وازن من خطوط التجارة البحرية العالمية قد انقلب رأسا على عقب ومفاعيله لا زالت غير واضحة المعالم، حيث لم يكن لأحد وهو يشاهد ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي ان يتنبأ أن مفاعيله ستطال سفنا مبحرة في البحر الأحمر وخليج عدن وسيلقي بظلاله على حركة موانئ وممرات ملاحية استراتيجية

وفيما كان العالم يرى المشاهد الفادحة والمؤلمة في قطاع غزة والجرائم والفظائع التي ترتكب بشكل لا يتخيلها عقل بشري، أتت بدايات استهداف السفن التي قيل إنها متجهة الى ذلك الكيان الهجين أو لها صلة به في 19 نوفمبر 2023، مع سفينة السيارات Galaxy Leader لتضع الجميع ومنهم العاملين في قطاع النقل البحري حول العالم بين جزء رافض بشكل مطلق لما يجري وبين مؤيد لكل ما يضغط ويؤدي لإنهاء هذه المأساة.

اقرأ أيضاً:كلمة العدد 89: عام جديد ينتظر القطاع البحري.. ماذا في طيّات 2024؟

لقد كان الكثير يعتقد ان ما يقوم به الحوثيون في البحار مبنيا على معلومات استخبارية عالية المستوى وذات جودة منقطعة النظير، وأن لديهم ومن يغذيهم مصادر موثوقة ترصد حركة السفن ومالكيها وكل من يرتبط بها، لتأتي الدهشة والاستغراب والاستهجان بأن الكثير من معلوماتهم مبينة على مواقع إلكترونية تجارية لتعقب السفن حيث تضع هذه المواقع معلومات حول كل سفينة ومواصفاتها وخط سيرها وحركتها الملاحية، إضافة إلى بيانات عن هوية مالكها ومديرها وشركات تأمين (نوادي الحماية والتعويض) التي تقوم بتوفير الغطاء التأميني الملزم لها.

المضحك المبكي أن المعلومات المتاحة على جميع هذه المواقع خاصة فيما يتعلق بمعلومات الملكية والادارة والتأمين، هي معلومات غير رسمية والكثير منها خاطئ وغير محدّث ولا يعكس الواقع الفعلي للسفن وكل من يرتبط بها.

فوضى الاستهداف هذه ظهرت مع سفينة البضائع السائبة Rubymar التي استهدفت في 18 فبراير 2024 ما أدى إلى غرقها بعد أسبوعين من ضربها، ومن ثم السفينة Islander التي ضربت بتاريخ 22 فبراير وكانت إصابتها طفيفة، ليأتي بعدها ما حدث على متن السفينة True Confidence التي استهدف برجها الملاحي وقتل نتيجة لذلك، ولأول مرة منذ بدء ضرب السفن، بحارين وفُقد آخر وتم إخلاء طاقمها بعد مغادرته السفينة التي تركت عائمة لعدة ايام قبل أن يتم إرسال قاطرة لتقطرها إلى سواحل جيبوتي.

اقرأ أيضاً: كلمة العدد 88: ما مصير الدول بعد إجراء عمليات التدقيق الالزامي عليها؟

لماذا اخترنا هذه السفن عنوة عن غيرها ممن استهدف؟ لأن ملاك هذه السفن هم عرب وهم ملاك سفن أبا عن جد ولا دخل لهم بقضايا المنطقة المعقدة، وأغلب ما أدرج في وسائل الإعلام وبعض الخبراء عن ملكية هذه السفن وأنها أمريكية او بريطانية هو خاطئ، فالسفن تمتلكها شركات مسجلة في دول تفقه الاستفادة من قطاع النقل البحري وليست كبعض دولنا العربية التي تعامل شركات الملاحة كأنها شركات عقارية او سياحية! والحال مماثل لشركات ادارات السفن ومماثل أكثر في شركات التأمين العربية التي لا يوجد لديها خدمات وتغطية تأمينية بحرية كتلك المتواجدة في بريطانيا وأوروبا.

مع كل ما تقدم، وما يحدث وإذا استمر المنوال على ما هو عليه، قد نصل إلى عواقب لا تحمد عقباها، واستمرارهم بالضرب العشوائي سيدفع غالبية ملاك السفن إلى عدم ولوج تلك المناطق التي ستنعزل تدريجيا عن حركة التجارة البحرية مع أكلاف باهظة على الجميع.

صدق من قال إن الجهل هو أسوأ عدو للإنسان.

الربان هيثم شعبان

 

اقرأ أيضاً

 العدد 90 من مجلة ربان السفينة

(Mar./April 2024)

 

أخبار ذات صلة