ننتقل من عام إلى عام وكلنا أمل ورجاء من الله عز وجل أن يحمل لنا مستقبلا أفضل، ويعم السلام والأمان وتنتهي الحروب والمآسي في هذا الشرق الحزين. فمع الحروب الثقيلة والمستجدات العليلة تعود الأضواء مجددا على النقل البحري، ليعزز أهميته كقطاع لا يحمل فقط الصفة التجارية والاقتصادية، لا بل كأبرز القطاعات التي تندرج تحت عباءة #الأمن_القومي.

وللأسف الشديد، لا يضاء على هذا القطاع وينوه بأهميته ودوره الاستراتيجي الفعال، الا عند وقوع المكاره من حوادث وحروب.

فأحداث العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين المرتبطة بالنقل البحري، افتتحتها جائحة #كورونا في بداية العام 2020، التي لم يهزم عزلها لحدود وأوصال الدول وقطاعاتها الاقتصادية الا السفن، حيث استمرت كخشبة خلاص للتجارة الدولية عبر البحار.

تبعها في صيف ذلك العام كارثة #انفجار_مرفأ_بيروت في #لبنان، ومن ثم في مارس 2021 حادثة شحط سفينة الحاويات Ever Given في #قناة_السويس، حيث احتل هذان الحادثان شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي فيما يختص الموانئ والممرات الملاحية. 

ومع الحرب الروسية الاوكرانية في فبراير 2022، كانت الموانئ هي الهدف الرئيسي الأول لروسيا، لإدراكها وفهمها العميق بأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية، وبعدها ظهر الاتفاق الدولي لنقل الحبوب ما أنعش النقل البحري وأبرز مركزه القوي كناقل لسلعة تشكل جوهر الأمن الغذائي العالمي، مع الإشارة أيضا لقطاع الطاقة التي يساهم البحر بشكل جوهري في استدامته عبر ناقلات النفط التي تنقل الذهب الأسود حول العالم.

 

اقرأ أيضاً: كلمة العدد 88: ما مصير الدول بعد إجراء عمليات التدقيق الالزامي عليها؟

 

وفي أكتوبر من هذا العام انطلقت شرارة الحرب المجنونة والمأساة في غزة، وأول ما تم تدميره هو ميناء غزة بالرغم من كونه ميناء صيد محدود القدرات نتيجة الظروف القهرية المفروضة عليه، وبالتوازي عاد الحديث عن مشروع قناة بن غوريون لربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط كبديل عن قناة السويس، وما يعنيه هذا المشروع من تهديد للأمن القومي المصري والعربي، فهو مشروع حرب لا شك فيها في حال تم التنفيذ. 

ومنذ نوفمبر وحتى طباعة العدد، تصدّر مشهد البحر الاحمر وما يجري مع السفن في بحر يمر به نحو تريليون دولار من التجارة العالمية سنويا، وهو ما يمثل 12% من إجمالي التجارة العالمية، و30% من حركة الحاويات العالمية وحوالي 40% من السلع بين آسيا وأوروبا، و 10%من إمدادات النفط المنقولة بحرا حول العالم (أي ما يعادل من ستة إلى سبعة ملايين برميل نفط يوميا). 

 

اقرأ أيضاً: كلمة العدد 87: النافذة البحرية الواحدة: كيف يتحضر القطاع البحري لهذا التحول الرقمي؟

 

مع هذه الأرقام الوازنة، تستمر الازمة وتتصاعد مع قضية مستنزفة وسفن مستهدفة تحول خط سيرها لطريق بحري طويل مكلف، ليس على مالكها ومشغلها وطاقمها فحسب، لا بل على كل مستهلك نهائي ينتظر وصول بضائع تفاقمت تكاليف شحنها بشكل جنوني، ولا يعتقد أن ما يسمى ب "عملية حارس الازدهار" ستضع حدا لما يحدث، وكيف لها أن تحمي سفنا تجارية بشكل كامل، فما يجري مختلف عما كان يحدث سابقا ويحتاج لمقاربة مختلفة.

في الختام، تزداد المخاوف من توسع ما يحدث ليطال مضائق وممرات بحرية أخرى ومنصات نفطية بحرية، ما يجعل أمن الطاقة العالمي أيضا على المحك، ورغم أن ما يحدث في البحر الأحمر لم يعطل سلاسل التوريد العالمية بالقدر نفسه الذي أحدثته جائحة كورونا، إلا أنه من المؤكد أن النقل البحري سيتصدر شاشات التلفزة وعناوين السوشيال ميديا في المرحلة الراهنة والمقبلة.

الربان هيثم شعبان

 

اقرأ أيضاً

 العدد 89 من مجلة ربان السفينة

(Jan./ Feb. 2024)

 

أخبار ذات صلة