يبرز استعمال الأمونيا الخضراء وقودًا للسفن بوصفه طوق نجاة لقطاع النقل البحري الذي يواجه صعوبات في التخفيف من مستويات الانبعاثات الكربونية به، بسبب المسافات الطويلة التي تقطعها السفن في عرض البحار والمحيطات.

وعلى الرغم من أن الكثير من الدول، وفي مقدمتها مصر، يعول بشدة على استعمال الأمونيا وقودًا بحريًا خلال المرحلة المقبلة، فإن هناك عقبات على طريق نشر استعمال هذا الوقود في نطاق واسع، وفقًا لما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وتتمثل أبرز هذه التحديات في امتلاك القدرة على خلق سلاسل قيمة عالمية لاستعمال الأمونيا، إلى جانب توافر الملاءة المالية لتمويل هذه المشروعات التي تتطلب استثمارات ضخمة، فضلًا عن توفير عنصري السلامة والأمان للتزود بهذا الوقود النظيف الذي يمكن أن يتسبب في انفجارات ضخمة، وفقًا لما جاء في مقال للكاتب "سفين تور هولسيزر" نشره موقع المنتدى الاقتصادي العالمي "World Economic Forum"، في ديسمبر/كانون الأول الجاري.

الوقود الأخضر في مصر
برزت مصر خلال المدة الأخيرة بصفتها أحد المواقع الإستراتيجية لاستعمال الأمونيا الخضراء وقودًا للسفن، وذلك بعد نجاحها في 18 أغسطس/آب 2023 بتموين سفينة حاويات بالوقود الأخضر "الميثانول"، في عملية تُعدّ الأولى من نوعها في مصر وأفريقيا والشرق الأوسط.

وتستهدف مصر أداء دور محوري في خدمات تموين السفن بالوقود الأخضر، وتعظيم الاستفادة من موقع موانيها البحرية على البحرين الأحمر والمتوسط، إذ وقّعت عدّة اتفاقيات لتنفيذ مشروعات ضخمة لتوطين صناعة الوقود الأخضر في مصر والصناعات المغذية والمكملة له.

وتعتمد إستراتيجية توطين صناعة الوقود الأخضر في مصر التي تتبنّاها الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، على 3 محاور رئيسة: تصنيع الوقود الأخضر (هيدروجين أخضر - أمونيا خضراء - ميثانول)، والعمل على الصناعات المكملة لتصنيع الوقود الأخضر من محللات كهربائية وألواح شمسية وتوربينات رياح، ونشاط تموين السفن بالوقود الأخضر.

ويُعدّ التعاون مع شركة سكاتك النرويجية أخر الاتفاقيات التي وقّعتها مصر لاستعمال الأمونيا وقودًا للسفن، إذ وقّعت اقتصادية قناة السويس مذكرة تفاهم تستهدف استصدار رخصة ممارسة نشاط تموين السفن بالوقود الأخضر في منطقة شرق بورسعيد، بتكلفة استثمارية تبلغ نحو 1.1 مليار دولار، شاملة الاستثمارات الخاصة بتوليد الطاقة النظيفة.

ومن المتوقع أن يصل حجم الإنتاج في المشروع الجديد إلى 100 ألف طن من الميثانول الأخضر سنويًّا بحلول عام 2027، وتبلغ طاقة المحلل الكهربائي 190 ميغاواط، بالاعتماد على 317 ميغاواط من طاقة الرياح، و140 ميغاواط من الطاقة الشمسية.

وتتصدّر مصر قائمة الدول العربية في عدد مشروعات تصدير الهيدروجين والأمونيا، بإجمالي 14 مشروعًا، منها 12 لتصدير الأمونيا، واثنان لتصدير الميثانول، وفق بيانات لمنظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول "أوابك"، اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

وفي سبتمبر/أيلول 2023، منحت مصر شركة هولندية رخصة لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد لتموين السفن بالوقود الأخضر، بميناءي شرق وغرب بورسعيد.

 

اقرأ أيضاً: شركة OCI تقود أول عملية تزويد بالوقود الأخضر لسفينة حاويات من منطقة قناة السويس

 

كما وقّعت مصر في 4 أكتوبر/تشرين الأول (2023) اتفاقية مع شركة سي 2 إكس (C2X) التابعة لعملاقة الشحن العالمية "ميرسك" لإقامة مشروع لإنتاج الوقود الأخضر لتموين السفن، باستثمارات تصل قيمتها إلى 3 مليارات دولار للمرحلة الأولى.

وتستهدف المرحلة الأولى من المشروع إنتاج 300 ألف طن سنويًا من الميثانول الأخضر، والوصول إلى مليون طن سنويًا من الميثانول الأخضر، باكتمال مراحل المشروع النهائية.

وخلال أكتوبر/تشرين الأول (2023)، وقّعت مصر أيضًا مذكرة تفاهم مع الصين، تعتزم بموجبها شركة تشاينا إنرجي (China energy) إقامة مشروع لإنتاج 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء، و210 آلاف طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا، باستثمارات تبلغ 6.75 مليار دولار في المنطقة الصناعية بالسخنة على مساحة 500 ألف متر مربع.

ماذا تعرف عن الأمونيا الخضراء؟
يتكوّن وقود الأمونيا من النيتروجين والهيدروجين، إذ يُصنّع باستعمال تقنية "هابر-بوش"، التي تُعرّض مزيج النيتروجين والهيدروجين لدرجة حرارة وضغط عاليين، مع استعمال عنصر الحديد عاملًا محفّزًا لتسهيل العملية برمّتها.

وتشمل عملية توليد الأمونيا الخضراء استعمال الكهرباء لتقسيم جزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين، وهو ما يُعرف بالتحليل الكهربائي للماء، وفقًا لما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وبكونها جُزيئًا خاليًا من الكربون، لا تُطلق الأمونيا أيّ انبعاثات لثاني أكسيد الكربون أو غازات الدفيئة الأخرى عند حرقها، ومن ثم يُمكن استعمالها وقودًا للمحركات، أو مادة خامًا لإنتاج أنواع الوقود المستدامة الأخرى، وفقًا لما ذكره الكاتب "سفين تور هولسيزر" في مقاله.

وتُسهم الأمونيا الخضراء بفاعلية في خفض غازات الدفيئة، لكونها تُنتِج الهيدروجين باستعمال مصادر الطاقة المتجددة، بدلًا من الغاز الطبيعي أو الفحم.

وتتميز الأمونيا عن الهيدروجين في إمكان نقلها لمسافات طويلة، كما يمكن نقلها في صورة سائلة عند -33 درجة مئوية.

وبعد نقل الأمونيا الخضراء، يمكن تحويلها مرة أخرى إلى هيدروجين، ما يجعلها حلًا واعدًا للاقتصادات المعتمدة على الهيدروجين الأخضر.

ويحظى هذا الوقود بأهمية كبرى في صناعة النقل، ومن ضمن ذلك استعمال الأمونيا الخضراء وقودًا للسفن والقطارات والشاحنات والطائرات، كما يمكن الاستفادة منه في الشركات المنتجة للمواد الكيميائية، والقطاع الزراعي، وغيرها، للحدّ من البصمة الكربونية.

سلاسل القيمة النظيفة
نظرًا إلى أن استعمال الأمونيا الخضراء وقودًا للسفن، بالإضافة إلى دخولها في الكثير من التطبيقات الواعدة، فإن إقامة سلاسل قيمة نظيفة ينبغي أن تكون ملازمة للتوسع في استعمالها.

يُشار هنا إلى أنه من المُقرر أن تُبحر أول سفينة حاويات تعمل بالأمونيا بين النرويج وألمانيا بدءًا من عام 2026، وهذا بمثابة مثال رائع على إمكانات الأمونيا بصفتها وقودًا مستدامًا.

وفي هذا السياق، بلغت قيمة سوق الأمونيا الخضراء العالمية نحو 167.03 مليون دولار أميركي في العام الماضي (2022)، ومن المتوقع أن تنمو إلى 35.749 مليار دولار أميركي بحلول عام 2032، وفق ما أظهره تقرير صادر عن مؤسسة ذا بريني إنسايتس (The Brainy Insights)، طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وتشمل عملية خلق سلاسل القيمة النظيفة زيادة كفاءة جميع سلاسل التوريد وضبط ممارسات الإنتاج وتعزيز أساليب الاستهلاك، الذي يمكن أن يكون بدوره سببًا في زيادة الانبعاثات الكربونية.

ومن أجل إنشاء سلاسل القيمة النظيفة، يتعيّن التوسع في مشروعات البنية التحتية اللازمة لإنتاج الوقود الأخضر، بما في ذلك أعمال توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، وذلك في بلدان العالم المختلفة.

وتعدّ سلاسل القيمة النظيفة أداة أساسية لخلق صناعة شحن خالية من الكربون، وقادرة على تلبية المعايير الدولية التنظيمية المتطورة في هذا الصدد، ما يعزز من مرونتها وميزتها التنافسية في السوق العالمية سريعة التغير.

 

اقرأ أيضاً: مشاريع نرويجية لاستخدام الأمونيا الخضراء كوقود للسفن.. فماذا في التفاصيل؟

 

وقود بحري أخضر
إن التحول نحو اعتماد الأمونيا الخضراء وقودًا للسفن يمكن أن يؤدي إلى تغييرات إيجابية كبيرة فيما يتعلق بمسألة الاستدامة وإزالة الانبعاثات الكربونية.

ومن أجل نشر استعمال هذا الوقود النظيف في صناعة النقل البحري، أُعِدَّ الكثير من الخطط لضمان عنصرَي الأمان والسلامة لاستعمال هذا الوقود القابل للاشتعال، كما أن هناك تحسينات مستمرة في لوائح ومعايير الاستعمال.

ويمكن أيضًا تعزيز استعمال الأمونيا الخضراء وقودًا للسفن عبر تطويع السياسات العالمية لخدمة هذه المستهدفات من خلال تقديم المزيد من الحوافز المالية، وتوفير مواقع لوجستية للتزود بالوقود في الدول المختلفة، بحسب ما أورده مقال الكاتب "سفين تور هولسيزر"، المنشور في موقع المنتدى الاقتصادي العالمي.

ويمكن أن تساعد هذه الحلول في معالجة بعض التحديات المرتبطة بالتحول إلى الأمونيا الخضراء بصفتها وقودًا للسفن.

ويُسلّط هذا التطور الضوء على الاهتمام المتزايد والاستثمار في مشروعات الأمونيا الخضراء، وإمكان إسهام هذا الوقود في مستقبل أكثر استدامة.

تحديات مُحدقة
يأتي في مقدمة تلك التحديات أكاسيد النيتروجين المنطلقة في أثناء عملية اشتعال الأمونيا، وهي أحد أشكال غازات الدفيئة المسببة للتغيرات المناخية.

وهناك تحدٍّ آخر يتمثل في كون الأمونيا مادة سامة للبشر، ومن ثم فإن التعرُّض لجرعات صغيرة منها يسبّب التهيج، في حين أن المستويات العالية منها يمكن أن تُتلف الرئة، أو حتى تسبّب الوفاة.

وعلى صعيد تنفيذ المشروعات، يواجه التحول نحو سلاسل القيمة النظيفة تحديات كبيرة، مثل الحاجة إلى التمويل الكافي، سواء من الحكومات أو من القطاع الخاص.

وفي هذا الإطار، تعدّ التمويلات الوطنية والدولية، إلى جانب رأس المال الخاص، ضرورية لجذب الاستثمارات اللازمة لإزالة الكربون من الصناعات والنقل.

وللتغلب على عوائق التمويل هذه، لا بد من وجود خطط دعم مالي قادرة على جذب هذ الاستثمارات، وينبغي للحكومات واتحادات الصناعة أن تعمل معًا لتطوير آليات الحوافز المناسبة لنشر استعمال الأمونيا الخضراء وقودًا للسفن.

المصدر: الطاقة

 

اقرأ أيضاً

 العدد 88 من مجلة ربان السفينة

(Nov./ Dec. 2023)

 

أخبار ذات صلة