باتت خدمات التواصل والاتصالات موضوعا لا مفر منه في الصناعة البحرية، وهي في تطور مستمر مع التحسينات المتواصلة والرقمنة والنماذج التكنولوجية. ومع التغيرات التي حدثت على مرور السنين، باتت الإتصالات تشكل مطلبا حتميا للبحارة والأطقم، وهو أمر طبيعي تماما لتكون بيئة العمل مشابهة لبيئات العمل الأخرى.

لا بل قد يهدد عدم وجود هذه التقنيات بشكل كاف أو آمن على متن السفن، تواجد البحارة الشباب في هذه المهنة، الأمر الذي بدوره يلوح بمشكلة نقص في الطواقم، لذا يشير بعض الخبراء إلى ضرورة تأمين جودة البيانات وأمنها، والتوعية حول المخاطر السيبرانية المتكررة. 
 
في موضوع هذا العدد، تسلط "ربان السفينة" الضوء على الاتصالات في مجال النقل البحري، في ظل الحزم المتوفرة اليوم والتي تسهل استخدام الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، بالاطلاع على رأي ووجهة نظر الصناعة تجاه هذا التحول الهائل، والتطورات التي يتم إجراؤها للوصول إلى توقعات البحارة الشباب.

لا شك أن الاتصالات البحرية تغيرت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، مما جعل شركات خدمات الأقمار الصناعية تعمل بجد أكبر لتحسين خدمات الاتصالات على متن السفن. يعتقد الخبراء أن أسواق النقل البحري والطاقة تنتقل إلى عصر ثالث من الاتصال الرقمي، وكان هذا التغيير مدفوعا بمزيج من الطلبات وتوفر التقنيات الجديدة التي وصلت إلى السوق.

التحديات التكنولوجية
مع ظهور خدمات جديدة، يتم وضع المزيد من الأقمار الصناعية في الخدمة، وتتوقع الشركات أن تكون هناك زيادة سنوية مركبة تزيد عن 35% في عرض النطاق الترددي المتاح في السنوات العشر المقبلة. يتحدث Chris Watson، نائب رئيس قسم التسويق والاتصالات في شركة KVH Industries الأمريكية، عن مستقبل ضخم لصناعة الأقمار الصناعية في ظل الكثير من التقنيات الجديدة، إلا أن النجاح يكمن في القدرة على دمج ذلك على متن السفن في ظل وجود هذه التقنيات والخيارات المختلفة. 

Chris Watson

ويشرح Watson دور مزودي الخدمات في هذا الجانب: "KVH قادرة على جمع هذه الأجزاء المختلفة من التكنولوجيا والعمل مع العملاء لتحديد الحل المناسب، نملك خبرة قديمة وقوية في تقنيات المدار الأرضي المتزامن GEO، ولكن يمكننا تقديم خدمات متكاملة في تقنيات LEO، MEO، 5G، وWIFI. التحدي هو أن نكون قادرين على فهم العملاء واحتياجاتهم، وعدم الإفتراض أن حلا واحدا يناسب الجميع. هذا هو نهج KVH في التعامل والتواصل مع العملاء للجمع بين أفضل التقنيات في حزمة موحدة."

يعتقد Watson أنه مع ظهور التقنيات الجديدة، تتغير توقعات العملاء أيضا. على سبيل المثال، كانت الأساطيل مكتفية بخدمات بطيئة للنطاق الترددي وبتكاليف مرتفعة، ولكن لم يتم استخدام ذلك في جوانب الاتصال المختلفة. لذا، مع ارتفاع السرعات وانخفاض التكلفة، من المتوقع أن تكون شركات مثل KVH قادرة على تقديم ما يتكيف مع ذلك.

 

اقرأ أيضاً: المدير التنفيذي لشركة Ascenz Marorka في لقاء حصري مع ربان السفينة: نحو خريطة طريق طموح للابتكار

 

بيانات بحرية عالية الجودة
لذا فإن اختيار أفضل شريك لخدمات الإتصال يعد قرارا رئيسيا لملاك ومشغلي السفن، بحسب Tore Morten Olsen رئيس شركة Marlink، نظرا لأن جودة البيانات تعد مشكلة رئيسية لمقدمي خدمات إنترنت الأشياء البحرية وإدارة البيانات أيضا، وتعتبر حجر الزاوية في تقنيات البيانات الموجودة على متن السفينة. "استخدام البيانات البحرية المناسبة سوف يتغلب على العديد من التحديات المتعلقة بالبيانات التي يواجهها ملاك السفن، وفي الوقت نفسه يعزز ويحسن الكفاءة التشغيلية، ويزيد من السلامة على متن السفن، ويبسط عمليات الامتثال من خلال أداء بيئي أفضل. تعتبر Marlink أكبر مزود مستقل لحلول الشبكات الرقمية للصناعة البحرية، وهو دور نأخذه على محمل الجد في تلبية وتطور متطلبات العملاء."

Tore Morten Olsen

وهنا يشرح Olsen العنصر الحاسم في عملية الرقمنة، والذي غالبا ما يتم الاستهانة به من قبل أصحاب المصلحة في صناعة النقل البحري، وهو جودة البيانات وأمنها، حيث أن المستخدمين يسعون وراء الخدمات التي يحتاجونها لتبقى عملياتهم سالمة وفعالة ومتوافقة مع بيئة أعمال معقدة. وهذا أمر يتحدث عنه العديد من أصحاب المصلحة، لكن القليل منهم فقط يدرك أو يقيس ذلك بدقة، بحسب ما يؤكد Olsen. تضمن البيانات البحرية عالية الجودة أن تكون المعلومات التي يتم جمعها من أجهزة الاستشعار وأنظمة الملاحة والمصادر الأخرى جديرة بالثقة ومناسبة لاتخاذ قرارات فعالة.

الإتصال بالإنترنت على متن السفن
نظرا لتغير العقلية لدى بحارة الجيل الجديد بسبب التقنيات الناشئة وعصر الرقمنة، أصبحت الإنترنت اليوم ضرورة للبحارة لمساعدتهم في البقاء على اتصال حتى حين وجودهم على البر.

Daria Boiko من قسم التوزيع في IEC Telecom الفرنسية، تسلط الضوء على جودة الاتصال بالإنترنت في البحر، مشيرة الى اختلافها بين الشركات. وتستند Boiko في حديثها إلى مؤشر سعادة البحارة، حيث يشتكي بعض البحارة بحسب تجاربهم المختلفة، ليس فقط عند مقارنة شركات النقل البحري المختلفة ولكن في كثير من الأحيان حتى داخل الأسطول نفسه. وقد أبلغ البعض عن عدم كفاية بيانات Wi-Fi المخصصة، مما منعهم من البقاء على اتصال أو الوصول إلى ما يريدون من خلال الإنترنت.

Daria Boiko

يعد الاتصال على متن السفن مهما جدا لأطقم السفن لدرجة أنهم باتوا يختارون العمل على متن السفن بناء على سرعة الإنترنت بحسب ما تشرح Boiko، ويعتقد الطاقم أن تقنيات LEO تحمل الإجابة لمشاكلهم: "يلفت مؤشر سعادة البحارة الأخير إلى أن التفاؤل يحيط بالبحارة بشأن Starlink التي ستوفر خدمات إمكانية اتصال يتوقون إليها بتكاليف يمكنهم تحملها. فالآمال كبيرة جدا!"

ونتيجة ذلك، أصبح من الواضح أن تأمين الوصول إلى إنترنت عالي الجودة سيكون ضروريا لتوظيف الجيل القادم من البحارة والاحتفاظ بهم وفقا لما يؤكد Olsen، حيث سيتمكن أفراد الطاقم من البقاء على اتصال مع عائلاتهم وأصدقائهم، والوصول إلى الأخبار والمواضيع الترفيهية، والحفاظ على شعور الارتباط بالعالم الخارجي، مما يقلل من مشاعر العزلة والوحدة. يقول Olsen أن هذا سيؤدي أيضا إلى تعزيز مهارات البحارة للبقاء على اطلاع دائم بتطورات الصناعة، مما يسمح لهم بالحصول على التدريب الإلكتروني وموارد التطوير المهني أثناء وجودهم في البحر.

البحارة الشباب
لم تتجاوز توقعات الأطقم السابقة القدرة على إجراء مكالمة هاتفية، لكن هذا الوضع تغير الآن خاصة بالنسبة للبحارة الشباب الذين اعتادوا على التواصل ووجدوا خدمات الإنترنت طوال الوقت، كما يقول Watson، وعلى مشغلي الأساطيل تدارك ذلك جيدا، وإلا فسيكون هناك نقص في الطاقم: "إن القدرة على توفير الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي ومحادثات الفيديو وما يتعلق بذلك أمر لا مفر منه، إلا أن الأمر بات يمثل تحديا للأسطول حيث يفكر المدراء دائما في ما يجب توفيره للطاقم بتكلفة مناسبة. باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بالإمكان معرفة ما يجري على السفن الأخرى لأن الناس يعرفون بعضهم البعض في هذه الصناعة. لقد رأينا إحصائيات تفيد بأن غالبية  البحارة يختارون السفينة التي توفر أفضل اتصال، ويصبح الأمر قرارا حاسما بالنسبة للمكان الذي يودون العمل فيه."

وفي ظل التطور التكنولوجي المستمر، لا يزال بعض ملاك ومديري السفن يستخدمون وسائل الاتصال القديمة وبتكاليف باهظة وذلك لجهلهم بأحدث البرامج والتقنيات. بحسب الإحصائيات التي يشير إليها Watson، فإنه من أصل 5 سفن تجد سفينة واحدة فقط مجهزة بالإنترنت عالي السرعة عريض النطاق وخدمات الأقمار الصناعية، وأن 4 من بين 5 سفن لا تزال تعمل باتصال بطيء ومكلف مما يقيد عمل مشغلي الأساطيل.

وهنا يؤكد قائلا: "نسعى في KVH إلى تقديم هذه الخدمات لهذه السفن بأسعار معقولة، حيث يتوقع البحارة الشباب أن يكونوا على اتصال دائم بالإنترنت، ونحن بحاجة إلى العمل مع عملائنا للمساعدة في تحديد أفضل الحلول باستخدام التكنولوجيا المتوفرة الآن."

 

اقرأ أيضاً: الرئيس التنفيذي لـ AOM يكشف لربان السفينة عن خطط تعزيز وجود الشركة في منطقة الشرق الأوسط

 

تحسين الوصول للخدمات الرقمية
في نهجها لتحسين عمليات الوصول إلى الخدمات الرقمية، أدركت Marlink أن الرقمنة في المجال البحري هي عملية تستفيد من التعاون الوثيق بين مقدمي الحلول ومصنعي المعدات وملاك/مديري السفن.

"تم تصميم برنامج الشريك الرقمي Digital Partner Program لدينا لمساعدة المستخدمين النهائيين على تحسين الوصول إلى الخدمات الرقمية. نحن نستخدم مكانتنا كمزود مستقل رائد لخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأسواق البحرية وأسواق الطاقة لتحسين الوصول إلى الأدوات الرقمية لجميع عملائنا. ومن خلال معداتنا الخاصة المثبتة على حوالي 25 ألف سفينة، تمثل Marlink قناة مهمة لخدمات الامتثال والسلامة والبيانات ذات القيمة المضافة."

يوضح Olsen أن هذا البرنامج يهدف إلى إقامة روابط مع بعض الشركات الرائدة في مجال الصناعة والسلامة وإصدار الشهادات ومقدمي الخدمات في مجال الطاقة والملاحة البحرية، بما في ذلك هيئات التصنيف ودول العلم وشركات التأمين. كما يهدف إلى تقصير الجداول الزمنية لتقديم الخدمات الرقمية للعملاء وتوفير الوصول بأقصى قدر من الكفاءة، من خلال التعاون الوثيق بين أقسام التكنولوجيا والهندسة، المبنية على بروتوكولات الأمن والاتصالات والمعايير.

الأمن السيبراني
وعلى الرغم من كل التسهيلات التي توفرها خدمات الاتصال عبر الأقمار الصناعية، لا تزال هناك أهمية لتطبيق الأمن السيبراني على برامج الإنترنت. يذهب ما يستخدمه الطاقم من خلال الاتصالات بعيدا من المفهوم العادي للاتصالات، كما تنصح Boiko، معتبرة أنه "نظام كامل يتطلب إدارة مركزية، وبروتوكولات إلكترونية آمنة، ووصولا سهل الاستخدام للبحارة، وحلولا احتياطية مرنة عندما تكون الشبكة الرئيسية معطلة."

هذه الميزات متوقعة من أي مزود خدمة، بحسب Watson نظرا لأنه من المتوقع أن يوفر أي مزود خدمات مجموعة أدوات تخفيف مخاطر الأمن السيبراني، والتي يمكن أن تتراوح من الأمن السيبراني داخل الشبكة نفسها والإتصال على البر بالقمر الصناعي، إلى الأمن السيبراني الذي يتم إحضاره على متن السفينة سواء من خلال شبكات VPN ،أو جدران الحماية والمكونات الأخرى.

ويوضح قائلا: "نظرا لأن السفن أصبحت أكثر ذكاء ورقمنة، فيجب حمايتها بالطريقة نفسها التي تتم بها حماية شبكة الإنترنت في المكاتب، وذلك بسبب مخاطر البرامج الضارة التي يمكن أن تشل عمل الشركة بمجرد تعطيلها للبيانات. لذلك، لا يوجد حل مثالي، ولكن يجب أن يكون مزود الخدمات المتكاملة قادرا على المساعدة في التخفيف من هذه المخاطر. وفي السفن ذاتية القيادة، لا بد من وجود شبكة اتصال موثوقة تتمكن من حماية سفينة ذكية مستقلة أو تُشغل عن بعد."

التدريب والتوعية
ومع ذلك، يسلط Olsen الضوء على الوعي في هذا الأمر باعتباره جانبا مهما للغاية في الأمن السيبراني، وأهمية تعزيز برامج التدريب لمواجهة التهديدات: "الأمر لا يعني أن الحلول غير متاحة، أو أن الشركات لا تتبناها، فهي موجودة بالفعل، والشركات تستخدمها. وفي حين أن ما يجب أن يكون الحلقة الأكثر أهمية في السلسلة يظل في الواقع هو الأضعف، وتتكاثر التهديدات وتتزايد الهجمات السيبرانية. فسلوك المستخدم ونقص الوعي بالتهديدات السيبرانية هما السببين الرئيسين لمعظم الحوادث، سواء من خلال الوصول إلى مواقع الكترونية واستخدام تطبيقات عالية المخاطر أم من خلال سوء استخدام الموارد، مثل استخدام البنية التحتية للأعمال لأغراض شخصية."

ويختم Olsen حديثه قائلا: "نظرا لأن السلوك البشري هو أحد أسرع مصادر التهديد نموا - تماما كما كان الأمر قبل خمس سنوات - فلا تزال هناك حاجة إلى تدريب أفضل وإجراءات أكثر وضوحا وتوجيهات أفضل لسلوكيات الاستخدام الإلكتروني. ولمعالجة ذلك، يجب على الشركات تطوير ونشر برامج التوعية والتدريب على نطاق واسع بأي لغة، من خلال جلسات تنشيطية منتظمة."

مجلة ربان السفينة، العدد 88، نوفمبر/ ديسمبر 2023، موضوع العدد، ص. 16

 

اقرأ أيضاً

 العدد 88 من مجلة ربان السفينة

(Nov./ Dec. 2023)

 

أخبار ذات صلة