كلمة العدد 85: في المهن البحرية: من يراقب ظروف ومعايير التوظيف البحري؟
تحية بحرية
لا يكاد يمر يوم إلا وأتلقى فيه سيلا من الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي وحتى على تطبيقات الدردشة، من بحارة يطلبون عملا على متن السفن، بعضهم يعرض قبوله أي وظيفة حتى لو “ببلاش”، والآخر يعرض دفع بدل مالي حتى تتأمن له فرصة يستطيع من خلالها توفير قوت يومه.
هذه المسألة تحث الشعور الإنساني على المساعدة، غير أنّ هذا الشعور يترافق مع ظهور عامل قلق حول مصدر شهادات وتدريب هؤلاء، كون السوق البحرية تضج بموضوع تزوير الشهادات، مما يعني عدم كفاءتهم للقيام بالعمل على متن السفن، يضاف إلى ذلك، الخوف من لجوء بعضهم إلى هذه الذريعة بهدف الانتقال إلى أوروبا أو غيرها هربا من أوضاع بلادهم ما يعني أيضا تكبّد مالك أي سفينة يقبل بتوظيفهم، بمخاطرة ستضر بسمعته وسمعة شركته وموقعها تجاريا وتأمينيا.
وفي هذا الإطار، يبرز دور فاعل للسماسرة، وشركات تعمل كشركات تطقيم وتفتقد للمصداقية، والتي تعبث بمعايير توظيف البحارة، وتخالف أحكام اتفاقية العمل البحري، وذلك لقاء مبالغ مالية، غير مدركة أو مهتمة لخطورة هذا العمل غير القانوني.
اقرأ أيضاً: كلمة العدد 84: هل نثق بالذكاء الإصطناعي في الصناعة البحرية؟ |
لا ينحصر هذا الأمر في عالمنا العربي فحسب، بل هو قضية دولية أشار إليها تقرير معهد حقوق الإنسان والأعمال ومبادرة النقل البحري المستدام الذي أجرى دراسة شملت خمسة آلاف بحار ، ووجد أن 40% منهم اختبر حالة غير أخلاقية أو غير قانونية منافية للمعايير الدولية إما خلال توظيفهم أو أثناء عملهم على متن السفن، إضافة إلى أن 70% منهم طُلب منهم دفع رسوم إلى شركات تطقيم لتوفير وظيفة لهم أو إيجاد عرض عمل ليتبين لاحقا عدم مصداقيتهم.
كل ما تقدم قد يؤدي إلى تحمّل البحارة أعباء وديون مالية تضعهم تحت ضغط يضاف إلى بيئة العمل البحرية الصعبة، ما يعني نقصًا في عامل السلامة الحيوي والضروري دائما على متن السفن.
ومن أجل تقليل مخاطر هذه القضية يقترح التقرير على كل شرائح صناعة النقل البحري ضرورة العمل بشكل جماعي لمعالجة مشكلة رسوم التوظيف غير القانونية التي يتم فرضها على البحارة، ووضع حد لمفهوم أن يتحمل أي عامل تكاليف توظيفه، في حال تم ذلك عبر شركة تطقيم، فالمسؤولية يجب أن تقع على صاحب العمل أو مالك السفينة.
اقرأ أيضاً: كلمة العدد 83: كيف ينطلق عام 2023 البحري؟ |
علاوة على ذلك، هناك حاجة إلى إجراءات عملية تؤكد لشركات الملاحة عدم تقاضي أي رسوم توظيف من بحارتهم، لتأمين عقود عملهم، إضافة إلى الدور الرقابي المهم لسلطات دولة الميناء ودولة العلم وكل الهيئات المفوضة المعنية بإصدار شهادة العمل البحري في هذا المجال.
ليس ذلك فحسب، لا بل على الدول المرخصة لأي شركة تطقيم، التأكد أن هذه الشركات لا تفرض رسوما على الوظائف، والأهم من ذلك وجود قوانين ولوائح وطنية تنظم عملهم وتفرض عقوبات على مثل هذه الممارسات، مع التشديد على ضرورة زيادة الوعي حول هذا الأمر لكل من البحارة والسلطات الوطنية ومشغلي السفن وحتى ملاك البضائع، من خلال ورش عمل ودورات ومنشورات وتعاميم تحدد للجميع معرفة كيفية ومكان الإبلاغ عن مثل هذه الممارسات.
القبطان هيثم شعبان