في التعيينات المتعددة والمواضيع المتداخلة التي قد تؤدي إلى احتمال التحيز، قد ينشأ نزاع بين الأطراف حول التعيين المتعدد لمحكّم في نفس القضية أو موضوع متداخل. في قضية هذا العدد، سيتم توضيح عامل الإفصاح والحياد عن حقائق القضية، وطبيعة التحكيم، وما ينتج عن ذلك من تحيز واضح.
معلومات عامة
يأتي هذا الاستئناف بعد نزاع نشأ عن انفجار وحريق منصة النفطDeepwater Horizon المشغلة من العملاق النفطي البريطاني BP في خليج المكسيك في عام 2010. قدم المستأنف، شركة Halliburton، خدمات التدعيم بالإسمنت ومراقبة الآبار النفطية لشركة BP، وقدمت شركةTransocean Holding LLC ، التي تمتلك منصة النفط، الطاقم وفرق التنقيب لشركة BP. كان لدى كل من Halliburton وTransocean عقد تأمين مع المدعى عليه شركة التأمين Chubb Bermuda Insurance Ltd.
بعد كارثة Deepwater Horizon، تم رفع العديد من الدعاوى المدنية ضد BP، Halliburton وTransocean. تم تحميلهم اللوم في محاكمة أمريكية، وبعد ذلك قامت Halliburton بتسوية ادعاءات الحكومة الأمريكية ضدها بمبلغ 1.1 مليار دولار أمريكي. سعت شركة Halliburton لاستعادة جزء من هذا من شركة Chubb، إلا أن الأخيرة رفضت مطالبة Halliburton على أساس أن مبلغ التسوية لم يكن معقولا، عندها بدأت شركة Halliburton إجراءات التحكيم ضد Chubb في لندن.
اقرأ أيضاً: لماذا يرفض بعض الناقلون إظهار المعلومات التجارية على بوليصة الشحن؟ |
عينت كل من Halliburton وChubb محكّما خاصا بهما. غير أن المحكّمون لم يتمكنوا من الاتفاق على المحكم الثالث والرئيس، وعينت المحكمة العليا محكّما بعد طلب من الطرفين، ليتيبن بعدها أنه كان مرشح Chubb الأول. نشأ النزاع في نوفمبر 2016 عندما علمت شركة Halliburton بتعيين المحكم نفسه في عمليتي تحكيم، ونشأت هذه التحكيمات جراء حادثة Deepwater Horizon وكانت تتعلق بما يلي:
تسوية Transoceanضد Chubb
عند اكتشاف إجراءات التحكيم المذكورة أعلاه، والتي لم يكشف عنها المحكّم لشركة Halliburton وChubb، تقدمت شركة Halliburton بطلب إلى المحكمة بموجب القسم 24 (1) (أ) من قانون التحكيم لعام 1996 لإبعاده على أساس التحيز الملموس.
رفضت كل من المحكمة العليا ومحكمة الاستئناف دعوى Halliburton. تم تحديد كلا القرارين باستخدام الاختبار الموضوعي للقانون العام والإجابة على ما إذا كان المراقب المنصف والمطلع سيجد أن الظروف أدت إلى التحيز. استفاضت محكمة الاستئناف في هذا الأمر، مؤكدة أن لدى المحكم واجب قانوني للكشف عن أي حقائق أو ظروف سوف أو قد تثير شكوكا مبررة بشأن حياده. وهكذا، في حين أن هذا المحّكم لم يتصرف بشكل غير لائق ولم تكن هناك حاجة لإبعاده، وجدت محكمة الاستئناف أن التصرف الأفضل في التحكيم التجاري الدولي كان يتطلب الكشف عن تعييناته اللاحقة لشركة Halliburtonـ.
الاستئناف أمام المحكمة العليا
تتلخص القضايا الرئيسية المعروضة على المحكمة العليا كالتالي:
إلى أي مدى يجوز للمحكم قبول التعيينات في مراجع متعددة تتعلق بالموضوع نفسه أو موضوع متداخل مع طرف مشترك واحد فقط، دون أن يؤدي ذلك إلى ظهور تحيز، وإلى أي مدى يجوز للمحكم القيام بذلك دون الإفصاح عنه.
نظرا لأهمية القضايا المطروحة في التحكيم الدولي، فقد سُمح لكل من محكمة لندن للتحكيم الدولي LCIA، محكمة التحكيم الدولية ICC، المعهد المعتمد للمحكّمين CIArb’s، وجمعية تجارة الحبوب والأعلاف GAFTA، ورابطة المحكمين البحريين LMAA في لندن بتقديم طلبات أمام المحكمة العليا.
كانت الطلبات المقدمة من محكمة لندن للتحكيم الدولي، محكمة التحكيم الدولية، والمعهد المعتمد للمحكّمين داعمة لاستئناف Halliburton الذي يدعو إلى تطبيق واجب الإفصاح الصارم على المحكّمين.
أوضحت كلا من رابطة المحكمين البحريين في لندن وجمعية تجارة الحبوب والأعلاف الطبيعة المتخصصة لعملهما، والعدد المحدود من المحكمين المتاحين وكيف يتم إجراء التعيينات المتعددة الناشئة عن حادث بانتظام إلى المحكم نفسه. لا يُطلب من المحكمين الإفصاح عن التعيينات المتعددة ما لم يكن هناك جدل بأن الظروف التي سيتم الكشف عنها تؤدي إلى ظهور التحيز [الفقرة 44].
القرار
عند رفض الاستئناف، بحثت المحكمة في واجب الحياد في التحكيم الذي ينطبق سواء على كل من (1) المحكمين المعينين من قبل طرف و(2) المعينين بشكل مستقل (على سبيل المثال، عند تقديم طلب إلى المحكمة أو هيئة التحكيم). كان الاختبار ذو الصلة هو ذلك الذي تم النظر فيه في الأحكام السابقة، وتحديدا ما إذا كان المراقب المنصف والمطلع سيجد إمكانية للتحيز [الفقرة 52]. هذا الاختبار موضوعي (أي وجهة نظر الطرف الذي يدعي التحيز ليست المحدد الوحيد) وتُأخذ في الاعتبار الخصائص الخاصة للتحكيم الدولي والطبيعة الخاصة لمعظم عمليات التحكيم.
تم التدقيق والنظر في واجب المحكم بالإفصاح إلى جانب واجب السرية الذي يقع على عاتقه، حيث خلصت المحكمة إلى أن واجب الكشف أو الإفصاح لا يتجاوز واجب المحكم المنفصل تماما والمتمثل في الخصوصية والسرية. ومع ذلك، فقد تم اعتبار واجب الإفصاح واجبا قانونيا بموجب القانون الإنجليزي ومكونا رئيسيا في التزام المحكم بالعدالة والحياد.
ورأت المحكمة أن فشل المحكم في الكشف عن تعيينه في التحكيمين المتتاليين كان انتهاكا لواجبه القانوني في الإفصاح عن المعلومات. وقد تم أخذ ذلك في الاعتبار عند تقرير ما إذا كانت ظروف التعيينات المتعددة التي تشملChubb والموضوع نفسه قد أدت إلى ظهور تحيز. على الرغم من هذا الانتهاك، وجدت المحكمة أنه لا يمكن اعتبار وجود احتمال حقيقي للتحيز.
تعليقات
استنادا إلى العادة المتبعة في قطاع النقل البحري وبموجب قواعد رابطة المحكمين البحريين في لندن، فالتعيينات المتداخلة شائعة وهذا في حد ذاته لا يثير أي شكوك حول حياد المحكم أو يستوجب الحاجة إلى محكم رابطة المحكمين البحريين في لندن للإفصاح عن تعيينات مماثلة. لا يوجد، بالطبع، ما يمنع المحكم من توخي الحذر والقيام بذلك على أي حال، مع مراعاة واجب السرية.
هذا الحكم أساسي في توضيح الظروف التي يجب أن يكشف فيها المحكمون عنها والتي قد تثير شكوكا مبررة بشأن حيادهم. عند تحليل واجب الإفصاح القانوني، كانت المحكمة واضحة في التفسير أن هذا التزام وليس مجرد ممارسة قانونية. وأثناء القيام بذلك، سلطت المحكمة الضوء أيضا على العلاقة بين الإفصاح وواجب الخصوصية والسرية، والتي تعتمد على العادة المتبعة في مجال التحكيم وأي اتفاق صريح أو ضمني بين الأطراف.
مجلة ربان السفينة، العدد81، سبتمبر/ أكتوبر 2022، قضية العدد، ص. 52